يقع البعض ممن يكتبون مقالات وبحوث ودراسات عن الأوضاع في إيران في خطأ شائع، إذ يسعون إلى إسقاط أوضاع وأمور خاصة ببلدان أخرى في المنطقة على الواقع الإيراني، والعمل في ضوء ذلك للخروج باستنتاجات وأفكار ورؤى. في الحقيقة، تختلف الأوضاع في إيران عن باقي بلدان المنطقة، وهذا الاختلاف ليس مجرد فرضية أو نوعًا من التفاضل المبني على خيال محض، بل ينطلق من أنَّ الحالة الإيرانية قائمة على أساس تجربة فريدة مبنية على مسار تاريخي طويل من حكم دكتاتوري.
التجربة الإيرانية ليست كأي تجربة أخرى في المنطقة، مع بالغ الاحترام لتلك التجارب؛ إذ تتجسد في دكتاتوريتين مختلفتين في الشكل ومتشابهتين في المضمون. وحتى الطابع الديني الذي سعت الدكتاتورية الحالية الحاكمة في طهران إلى الظهور به، والذي كان العالم العربي والإسلامي مأخوذًا ومنبهرًا به، تم فضحه وكشفه على حقيقته كغطاء لتحقيق أهداف مشبوهة تهدف إلى تكريس النظام كأمر واقع. كان هذا التطور بمثابة بدء العد التنازلي للتغيير في إيران، مشابهًا للتطور الذي حصل بفضح دكتاتورية الشاه وتصاعد الرفض الشعبي ضده، مما أدى إلى إسقاطه في النهاية.
القاسم المشترك بين العهدين الدكتاتوريين يتمثل في عاملين أساسيين لا يمكن تجاهلهما أو إنكارهما، وهما: أولًا، رفض الشعب الإيراني للدكتاتورية ونضاله من أجل الحرية، وثانيًا، الدور والتأثير النوعي لمنظمة مجاهدي خلق منذ تأسيسها في عام 1965 في التأسيس لثقافة المقاومة ورفض الدكتاتورية والنضال من أجل الحرية.
عند الحديث عن دور وتأثير منظمة مجاهدي خلق في الأوضاع في إيران، خصوصًا في عهد الشاه حيث كانت هناك أيضًا أحزاب وتنظيمات معارضة أخرى تمتلك تاريخًا عريقًا، نجد أنَّ المنظمة تمكنت من تجاوز المعارضة الوطنية وفرض تأثيرها النوعي على الساحة الإيرانية في مواجهة دكتاتورية الشاه. الملاحظة المهمة التي يجب أخذها بعين الاعتبار هنا، أنَّ نظام الشاه عندما نفذ حكم الإعدام بقيادة المنظمة في عام 1972، ساد اعتقاد بأنها قد أضحت أثراً بعد عين، لكنها عادت بقوة أكبر خلال فترة وجيزة، ولعبت دورها المميز في التمهيد لإسقاط نظام الشاه، مما يدل على أنها أصبحت معارضة وطنية يعتد بها ورقماً صعبًا لا يمكن تجاوزه بسهولة، وهو ما تأكد بعد سقوط الشاه.
إقرأ أيضاً: إلا "إيلاف" العمير*
خلال عهد الدكتاتورية الدينية التي أعقبت دكتاتورية الشاه، وبفضل الدور والتأثير النوعي لمجاهدي خلق، خصوصًا بعد الاجتماع الكبير الذي عقد في جامعة طهران حيث ألقى زعيم المنظمة، مسعود رجوي، خطابًا في أكثر من 300 ألف شخص من الحضور، حاول الخميني، مؤسس النظام، كسب ود المنظمة بالترغيب أو الترهيب. لكن المنظمة، التي تأسست على مبدأ رفض الدكتاتورية والنضال من أجل الحرية، رفضت مقترح الخميني وواجهت النظام، الذي أعلن حربًا شعواء ضدها، بلغت ذروتها بتنفيذه مجزرة بحق آلاف السجناء السياسيين في صيف عام 1988، وكان أكثر من 90 بالمئة منهم من أعضاء منظمة مجاهدي خلق، وذلك بفتوى غير مسبوقة صادرة عن الخميني بأثر رجعي.
إقرأ أيضاً: بيت خامنئي من زجاج
حرب النظام ضد المنظمة لم تقتصر على المواجهة في الشوارع والاعتقالات والتعذيب والإعدامات فحسب، بل شملت جوانب سياسية وفكرية وإعلامية واجتماعية بهدف القضاء عليها قضاءً مبرمًا. ومن خلال ملاحظة الأسلوب الذي اتبعه النظام في مواجهتها، نرى مدى قوة الدور والتأثير الكبير للمنظمة في الواقع الإيراني. واللافت للنظر أنَّ هذه الحرب لم تتوقف حتى يومنا. ويعود ذلك إلى ثقافة المقاومة ومواجهة النظام والنضال من أجل الحرية، إضافةً إلى برنامج المنظمة السياسي والفكري والاجتماعي لمرحلة ما بعد إسقاط النظام. وهنا، تكمن النقطة الجوهرية في لجوء النظام وبعض الأطراف الأخرى للسعي إلى تقديم نجل دكتاتور إيران المخلوع كبديل للنظام، وهو الذي لم يؤسس لأيّ ثقافة معارضة ولا يمتلك برنامجًا سياسيًا يؤهله لذلك، مما يثبت أنَّ الأمر برمته مجرد سيناريو لا يستحق ثمن الحبر الذي كتب به!