تعد معادلة العلاقة الروسية – الإسرائيلية في سورية واحدة من أبرز المعادلات السياسية المعقدة في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً بعد التطورات والتغيرات الدراماتيكية المتسارعة في المنطقة التي أعقبت عملية طوفان الأقصى وما نتج عنها من اجتياح إسرائيلي لقطاع غزة ولبنان. حيث تجمع هذه المعادلة بين مجموعة من المصالح المتناقضة والحسابات الدقيقة التي تحاول روسيا من خلالها تحقيق توازن بين أطراف متخاصمة ومتصارعة.
من يتتبع المنطلقات السياسية لعلاقة روسيا وإسرائيل في سورية منذ التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية في أيلول (سبتمبر) 2015 حتى ما قبل عملية طوفان الأقصى في تشرين الأول (أكتوبر) 2023، يلحظ أنّ هذه العلاقة قامت على أساس سياسة واقعية غير أيديولوجية، متحررة من المخاوف القائمة على القيم، ولكنها معتمدة في نفس الوقت على القوة الهادفة إلى تحقيق المصلحة. يمكن حصر هذه المصلحة بثلاث نقاط أساسية، الأولى هي الحفاظ على النظام السوري وعدم تغييره، طالما التزم النظام بالخطوط المرسومة له، وهو ما يعد مصلحة مشتركة بين روسيا وإسرائيل. فروسيا رأت في نظام الأسد ركيزة أساسية لنفوذها الاستراتيجي في الشرق الأوسط، وسقوطه سيؤدي إلى الإضرار بمصالحها في المنطقة ككل. في حين رأت إسرائيل أن سقوط النظام السوري وتغييره بنظام آخر سيكون محفوفاً بمخاطر عديدة، أهمها احتمالية صعود مجموعات معادية لها لا يمكن التنبؤ بعلاقتها معها. لذلك استبعدت منذ البداية خيار التدخل لتغيير مسار الأحداث، وأعلنت أكثر من مرة أن هدفها مواجهة الوجود الإيراني وليس إسقاط النظام.
أما النقطة الثانية فهي احتواء النفوذ الإيراني، حيث نظر كل طرف لهذه المصلحة من زاوية مختلفة. فروسيا، بالرغم من المصالح المشتركة التي تجمعها بإيران، أصبحت ترى فيها شريكاً مضارباً يهدد مساعيها في سورية. ومع ذلك، اقتضت مصلحتها عدم إنهاء دور هذا الشريك بالكامل، لحاجتها لقواته لموازنة قوى الخصوم، وللمساومة مع خصوم إيران. لذلك، شاهدنا كيف تتعاون روسيا مع إيران في سورية، وفي الوقت نفسه تتغاضى عن القصف الإسرائيلي المتكرر لمواقعها.
النقطة الثالثة هي محاربة الحركات الإسلامية الراديكالية، وقد ارتبط هذا الأمر بالنسبة لروسيا بالأمن القومي بسبب قلقها من زيادة عدد الروس ومواطني آسيا الوسطى المنضمين إلى الفصائل الجهادية في سورية. بالنسبة لإسرائيل، ارتبطت المخاوف بالتجربة المصرية مع الإخوان المسلمين، لذلك قدّمت كل ما بوسعها هي وروسيا لإنجاح الانقلاب العسكري ضد الرئيس المصري الراحل محمد مرسي.
إقرأ أيضاً: الشُعوبيون الجُدد
أما اليوم، ومع التطورات الدراماتيكية التي تلت عملية طوفان الأقصى وتضاعف الضربات الجوية الإسرائيلية لمواقع وشخصيات إيرانية ولبنانية تابعة للحرس الثوري الإيراني وحزب الله في سورية، دخلت العلاقة الروسية – الإسرائيلية في سورية في معادلة جديدة. تقوم هذه المعادلة على ضمان روسيا عدم دخول النظام السوري في "جبهة الإسناد" مقابل الحفاظ على الاستقرار الداخلي للنظام. لهذا زاد التنسيق الروسي – الإسرائيلي في سورية، وظهرت تسريبات عن مطالبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لرئيس النظام السوري بعدم إقحام سورية في التصعيد، وترك مسافة بينه وبين إيران تجنباً لاستهدافه.
حرصاً على عدم انزلاق النظام السوري في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، نشرت روسيا نقاطاً للشرطة العسكرية قبالة هضبة الجولان على خط برافو لضبط الجبهة. يبدو أن روسيا تلعب دور الوسيط في هذه الساحة لضمان بقاء نظام الأسد بعيداً عن الحرب الدائرة، مقابل ضمان ألا تضغط إسرائيل عليه أو تستهدف العمق السوري بشكل يؤثر على مستقبله.
إقرأ أيضاً: نتنياهو والجابوتنسكية: 100 عام على "الجدار الحديدي"
من يتابع مواقف النظام السوري خلال الأحداث الأخيرة، يدرك أن النظام بات مقتنعاً بأنّ ارتكابه أي خطأ تجاه إسرائيل سيكلفه الكثير، خصوصاً فيما يتعلق بعلاقته مع إيران. اليوم، وسائل الإعلام الإسرائيلية تؤكد على إخراج إيران من سورية بالقوة، باعتبار أن سورية أصبحت "الأب الإقليمي" لمحور إيران في الشرق الأوسط.
في الختام، يتضح أن معادلة العلاقة الروسية – الإسرائيلية في سورية تحمل أبعاداً استراتيجية عميقة. تسعى روسيا جاهدة للحفاظ على التوازن الدقيق بين دعمها للنظام السوري وضمان عدم تصعيد التوترات مع إسرائيل للحفاظ على استقرار النظام وحماية مكاسبها. ومع ذلك، استمرار ضغط إسرائيل على إيران قد يضع روسيا أمام خيارات صعبة في المستقبل القريب.