جيبوتي، هذه الدولة الصغيرة التي تقع في موقع استراتيجي حساس على مضيق باب المندب، أصبحت رمزاً للتوازنات الجيوسياسية والتوافقات الاستراتيجية. على الرغم من مساحتها الصغيرة وعدد سكانها الذي لا يتجاوز المليون نسمة، إلا أن جيبوتي أثبتت أنها تمتلك وزناً سياسياً كبيراً بفضل سياستها الحكيمة التي تتبناها بقيادة رئيسها إسماعيل عمر جيله. هذه القيادة نجحت في تحويل جيبوتي إلى محور دولي يلتقي فيه الشرق بالغرب والشمال بالجنوب، وجعلت من هذه الدولة الصغيرة في حجمها كبيرة في تأثيرها.
جيبوتي، تحت قيادة الرئيس جيله، قدمت نموذجاً فريداً في إدارة التوازنات الدولية والإقليمية. فهي الدولة الوحيدة في العالم التي تستضيف على أراضيها قواعد عسكرية من عدة قوى كبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، فرنسا، والصين. هذا الحضور الدولي الواسع لم يكن ليتم لولا قدرة الجيبوتيين على إدارة العلاقات مع هذه القوى، حيث نجحوا في الحفاظ على استقلالية القرار الجيبوتي دون الانحياز لأي طرف على حساب الآخر. الرئيس الجيبوتي أظهر قدرة فائقة في إدارة علاقات دولية معقدة، مستفيداً من موقع بلاده الجغرافي الحساس ليضع جيبوتي في قلب المعادلات الجيوسياسية التي تحكم المنطقة.
جيبوتي، بوابة أفريقيا على العالم، تعد ممراً حيوياً للتجارة الدولية، حيث يمر من خلالها جزء كبير من التجارة البحرية العالمية. هذا الموقع الاستراتيجي جعلها هدفاً للاهتمام الدولي والإقليمي، فكل قوة دولية تسعى لأن يكون لها موطئ قدم في هذه الدولة الصغيرة. ولكن جيبوتي، بفضل حكمة رئيسها وحنكته السياسية، استطاعت أن تستغل هذا الاهتمام الدولي لصالحها، فتحولت إلى مركز اقتصادي وعسكري رئيسي في المنطقة. فتحت جيبوتي أبوابها للقوى الكبرى، ولكنها في نفس الوقت حافظت على سيادتها واستقلالها، فلم تسمح بأن تتحول إلى ساحة للصراع بين هذه القوى.
وعلى الرغم من أن التركيز الدولي والإقليمي ينصب على الموقع الجغرافي لجذب القواعد العسكرية والموانئ، فإن الثروات الطبيعية والموارد المعدنية في جيبوتي لا تزال ميدانًا غير مكتشف بالكامل. تشير التقديرات إلى وجود احتمالات كبيرة لاكتشاف معادن هامة مثل الذهب والنحاس والليثيوم في المناطق الداخلية للبلاد. هذه الثروات غير المستغلة تفتح آفاقًا جديدة لجذب الاستثمارات العالمية، خاصة في ظل ارتفاع الطلب العالمي على المعادن النادرة المستخدمة في التكنولوجيا والصناعات المتقدمة.
إذا ما تم تطوير هذا القطاع بشكل صحيح، فإن جيبوتي ستتمكن من تحويل نفسها إلى مركز استراتيجي للتعدين والتنقيب، مما يضيف بعدًا اقتصاديًا جديدًا إلى رصيدها الاستراتيجي. في هذا السياق، يمكن للرئيس جيله وحكومته أن يستفيدوا من الخبرات الأجنبية لتنمية هذا القطاع بشكل مستدام، مع الحرص على عدم المساس بالبيئة والتوازن الاجتماعي.
على الصعيد الاقتصادي، قدمت جيبوتي نموذجاً للتنمية المستدامة في منطقة تعاني من الفقر والصراعات. استثمرت الحكومة الجيبوتية في تطوير البنية التحتية، وخاصة في مجال الموانئ والنقل البحري، مما جعلها مركزاً لوجستياً إقليمياً يخدم ليس فقط جيبوتي، بل دول المنطقة أيضاً، وفي مقدمتها إثيوبيا. التعاون الاقتصادي بين جيبوتي وإثيوبيا يمثل نموذجاً للتكامل الإقليمي، حيث تلعب جيبوتي دور الشريان الحيوي لاقتصاد إثيوبيا الذي يعتمد بشكل كبير على الموانئ الجيبوتية.
إقرأ أيضاً: الإرهاب القادم… عدو بلا وجوه
من ناحية أخرى، تعد جيبوتي لاعباً رئيسياً في تحقيق الاستقرار الإقليمي، فقد لعبت دور الوسيط في العديد من النزاعات في منطقة القرن الأفريقي، وخاصة في الصومال. هذا الدور التوافقي الذي اضطلعت به جيبوتي يعكس نهجها الحكيم في إدارة علاقاتها مع جيرانها، حيث تعمل دائماً على تعزيز الحوار والتوافق بدلاً من الصدام والمواجهة. بفضل هذا النهج، نجحت جيبوتي في أن تكون عامل استقرار في منطقة تعصف بها الصراعات والنزاعات.
ولكن على الرغم من النجاحات الكبيرة التي حققتها جيبوتي تحت قيادة الرئيس جيله، إلا أن التحديات لا تزال قائمة. جيبوتي تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية، حيث لا تزال معدلات الفقر مرتفعة، وهناك حاجة ماسة لتوفير فرص عمل للشباب وتحسين مستوى المعيشة. هذه التحديات تتطلب من الحكومة مواصلة جهودها في تحقيق التنمية الشاملة، وخاصة من خلال تنويع مصادر الاقتصاد والحد من الاعتماد على التمويلات الخارجية.
إقرأ أيضاً: تحالف الضباع بين البوليساريو وإيران
التوازنات الدقيقة التي تحكم جيبوتي، سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي، تمثل مفتاح نجاحها واستقرارها. ولكن التحديات المستقبلية، سواء فيما يتعلق بالديون الخارجية أو التحديات الداخلية، تتطلب من القيادة الجيبوتية المزيد من الحكمة والاستراتيجية. وإذا استمرت جيبوتي في نهجها الحالي، فإنها ستظل بوابة للتوافقات، ومنارة للاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، التي تعصف بها الاضطرابات.
ختاماً يبقى أن نقول إن جيبوتي، تحت قيادة الرئيس إسماعيل عمر جيله، استطاعت أن تحفر لنفسها مكانة مرموقة على الساحة الدولية، وأن تتحول من دولة صغيرة إلى لاعب إقليمي ودولي مؤثر. هذا النجاح لم يكن ليتحقق لولا القيادة الرشيدة والإدارة الحكيمة للتوازنات التي جعلت من جيبوتي بوابة الاستقرار والتوافقات في المنطقة.