: آخر تحديث

الدخول بالقدم الخطأ إلى 2025

6
6
6

تبين أن إطلاق النار الكثيف في رام الله، الذي أربك الناس في البلدة القديمة ودفع حراس "البنك العربي" إلى إغلاق مدخل الفرع، وصولاً إلى مركز المدينة، كان طريقة احتفال بعض نشطاء فتح بذكرى انطلاقة الحركة الذي يصادف الأول من كانون الثاني (يناير). في الشمال، في جنين، تتواصل الحملة الأمنية التي حملت اسم "حماية وطن"، في محاولة لتحميل العملية دلالات وطنية يصعب تبريرها، وعلى المفارق التي تؤدي إلى مداخل مخيم اللاجئين الصغير، الذي أنهكته الاقتحامات المتوالية لجيش الاحتلال وعمليات الاغتيال المتكررة وتحطيم البنى التحتية الفقيرة أصلاً بجرافات الـ"دي 9" المتوحشة، يتواصل إطلاق النار بين أجهزة أمن السلطة؛ مخابرات، أمن وقائي، شرطة وفرق خاصة، وبين "كتيبة جنين"، غالبية عناصر الكتيبة تتبع حركة "الجهاد" إضافة إلى عناصر من الفصائل بمن فيها "فتح". خلال الأسبوعين الأخيرين قتل ضابطان من مرتبات الأجهزة ومواطنين عاديين بينهم طفل وصحافية شابة، كما تسببت الاشتباكات غير المسبوقة بحرائق ودمار في الممتلكات. ثقل اقتحامات جيش الاحتلال وعمليات الاغتيال التي استخدمت المسيّرات ومجموعات "المستعربين"، وهو ما يطلق هنا على مجموعات خاصة من جيش الاحتلال تتنكر بملابس عربية وسيارات تحمل لوحات عربية وتتحدث بالعربية وتتسلل إلى البلدات والمدن في الضفة الغربية لتنفذ عمليات اغتيال أو خطف، انتقل إلى نابلس وطول كرم وسلفيت وطوباس... غير بعيد عن جنين، بحيث يمكن سماع الانفجارات في الأنحاء وتتكاثر الحواجز بأنواعها عند مداخل البلدات والقرى، ما يجعل من الصعب قراءة "حماية وطن" أو منح الاسم الدلالات الوطنية المقصودة، ولكنه يسمح بطرح أسئلة شعبية حول أهداف الحملة وتوقيتها والجدار المغلق الذي تضعه السلطة أمام محاولات التهدئة. عنف الحملات الإعلامية التي ترافقت مع الحملة الأمنية يشي بصعوبة التوصل إلى حلول سريعة، يمكن هنا إدراج أفكار مستخدمة تفتقر إلى المصداقية مثل أوصاف من نوع: "الفئة الضالة" و"الخارجين على القانون" و"مسببي الفوضى والعنف (...)" إلى آخر هذه التعبيرات التي يمكن الحصول عليها بسهولة في أرجاء الإقليم، أو تلفيق صور لسلفيين يلبسون الأكفان ويتجولون في أزقة المخيم بحثاً عن الحوريات، وهذا يشمل اتهامات غير موثقة مثل الاتهام الفج للناطق باسم "حماس"، الذي لا يخلو من تحريض، باتهام أفراد الأمن بإطلاق النار على الصحافية الشابة، أو اتهام الأجهزة بتعذيب بعض المعتقلين ثمة فيديو متداول لأفراد من الأمن ينكلون بمواطن بسبب كتابة وجهة نظر على مواقع التواصل. في الخليل جنوب الضفة سارت تظاهرة كبيرة لدعم عملية الأمن المستمرة في الشمال، وفي مخيم جنين وأحياء المدينة الملاصقة خرجت تظاهرة تدعو إلى وقف الحملة الأمنية، وثمة دعوات لم تتوقف تنطلق من مختلف التوجهات تدعو للتهدئة والحوار. اليوم الأول من السنة الجديدة، تقريباً بعد انتهاء مسيرات الانطلاقة، وبينما كان عمال البلدية يزيلون آثار المسيرات من شارع "رُكَب" في وسط رام الله، سيصعد ضابط برتبة مقدم، ضابط شاب ومهذب برفقة ضابط آخر إلى مكتب "قناة الجزيرة" في الشارع الموازي ليسلم مراسلة القناة "نجوان سمري" قراراً من النائب العام بإغلاق مكاتب القناة ووقف عملها في الضفة الغربية، "مؤقتاً" كما أوضح الناطق الرسمي، إلى حين "تصويب وضعها". القرار المكتوب والمختوم والمعروض بكرم أمام الكاميرا، يوضح أن القرار جاء بعد دراسة "اللجنة الثلاثية" ووزير الثقافة في وزارة "محمد مصطفى"، ما أثار احتجاج أكثر من جهة، بمن فيهم أسماء إعلامية وقانونية ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني، إذ لم يصدر القرار عن جهة قضائية كما يقتضي القانون الفلسطيني، إضافة إلى غرابة زج وزارة الثقافة ووزيرها في مثل هذه الإجراءات الأمنية. سيساهم في الاعتراض على القرار، أنه جاء في سياق الحملة الأمنية وامتداداً لها من جهة، وبعد قرار من سلطات الاحتلال بإغلاق مكاتب "الجزيرة" في القدس ووقف عملها وحركة مراسليها في الداخل من جهة ثانية. ويمكن هنا إضافة التضامن الشعبي مع مراسلي القناة ومصوريها الذين تعرضوا للاغتيال والاستهداف، مثل الاغتيال المأسوي للإعلامية "شيرين أبو عاقلة" والاستهداف المتوحش لوائل الدحدوح وأسرته وقائمة طويلة من الأسماء، كذلك نسبة المشاهدات العالية التي تتمتع بها القناة، والأهم من دون شك هو ضعف أداء الإعلام الرسمي وتهالك التبريرات التي تسوقها السلطة في قراراتها، قرارات قائمة على سلسلة من الانتقادات الشعبية التي تشمل اتهامات بالفساد الإداري وضعف الحضور السياسي وعلى أرضية الانقسام الذي يفكك الإجماع والموقف الوطني برمته. هذا دخول بالقدم الخطأ لـ2025، أو بوصف أدق بالقدمين الخطأ، ومحاولة استثمار للمأساة أقرب لـ"مغامرة" غير مأمونة على الإطلاق انبنت على قراءة متعجلة لتحولات الإقليم. رسالة لن تجد من يتسلمها في الجانب الآخر. في أقصى الجنوب، في غزة، يتناوب الطقس العاصف مع انفلات جيش الاحتلال وتحوله إلى مجموعة من الميليشيات المتوحشة، على المخيمات المرتجلة التي التجأ إليها مئات آلاف الفلسطينيين في دائرة مفرغة من البحث عن الحياة بعناصرها البدائية؛ الخبز والنوم والدفء والعناصر البسيطة للبقاء. بينما في مشهد آخر، يختصر كل شيء، يصعد حسام أبو صفية الطبيب الأخير في مشفى كمال عدوان المحترق، تلال الحطام وحيداً بلباسه الأبيض في طريقه إلى بطن دبابة الميركافا.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد