خالد بن حمد المالك
يعتقد بعضهم -خطأ- أن الإعلام في أمريكا والدول الأوروبية إعلام مستقل، وأنه يتمتع بكامل الحرية في النشر، وأن حرية التعبير لديه عالية، بل وبلا حدود، ولكنه عند التدقيق والفحص والمتابعة سنجده غير ذلك، وأن سلوكه ومواقفه إنما تمثِّل إعلاماً منحازاً بحسب من ينتمي إليه سواءً دولة أو حزب أو مصلحة يستفيد منها.
* *
ولا نريد أن نستدعي مواقف وأحداث سابقة تُعري هذا الإعلام، وتضعه تحت المجهر، وتكشف خفاياه، وتعزِّز موقف من يرى فيه أنه إعلام متلوِّن، صاحب أجندة تحددها مصالحه، وهي تختلف من وسيلة لأخرى، ومن دولة لدولة، ومن كاتب لآخر، ضمن سياسة الانتماء الديني والسياسي والوطني والحزبي.
* *
وتفسير حرية التعبير لديهم تحكمها الأحداث والموقف منها، والمصالح وقربها وبعدها من الإعلام والإعلاميين، وهي حرية رأي مشكوك في مطابقتها وتطابقها مع الآراء الصادقة والنزيهة والموضوعية، وتلك التي تقف متجردة من الهوى والانحياز.
* *
نعم، هو إعلام مهني عالي المستوى، وله انتشاره الواسع، وتأثيره القوي، وكل يحاول أن يخطب وده، وكسبه إلى جانبه سواء على مستوى الدول التي ينطلق ويصدر منها، أو تلك الدول الأخرى التي ترى فيه سنداً لتعزيز ونشر مواقفها ووجهات نظرها.
* *
في حرب غزة كشف إعلام الغرب عن وجهه الحقيقي، ليؤكّد من جديد أنه إعلام بلا مصداقية، وأنه بلا موضوعية، وغير نزيه، وأن طروحاته لا تعبر عن الحقيقة في تناوله لأحداث الحرب وحقائقها، وما يجب أن يكون الموقف منها، وأن ممارسات هذه الدول ضد كل صوت إعلامي حر ينتمي لوسائلها قد عومل معاملة يظهر الانطباع عن صدق ما نقوله من أنه إعلام مسيَّس.
* *
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقبل فترة أجرى سفير إسرائيل في الدانمارك اتصالاً ساخناً برئيس تحرير صحيفة (Politiken) ويوبخه على نشر رسمة (كاريكاتير) عن الإسرائيليين يمثِّلهم بكلب أسود، وطالب الصحيفة بالاعتذار، وسحب الكاريكاتير، أي أن حالة واحدة لم تتحمّلها إسرائيل، بينما تمتلئ صحفهم ووسائل إعلامهم الأخرى بكم هائل من المقالات والرسومات التي تسيء فيها إلى معتقداتنا، وتتهمنا بما ليس فينا، وتنتصر لإسرائيل دون وجه حق، دون أن تفكر بردود فعلنا كعرب ومسلمين.
* *
نعم، أمريكا والغرب لديهم إعلام قوي، ومتابع، وواسع الانتشار، ولكنه أبداً ليس هو ذلك الإعلام النزيه، وليس هو الإعلام المعتدل، أو الواقعي، في تمتعه بمساحة كبيرة من حرية الرأي، لكنها حرية منحازة، وإعلام شريك فيما يلحق بالشعوب من ظلم لا حدود له، حتى وإن وجد من يخالفنا في هذا الرأي ممن يبهرهم إعلامهم، ويتابعونه باهتمام.