عبدالرحمن الحبيب
مع نهاية عام 2024 وفي البحث عن كلمة تصف حالة العام، نشر موقع جامعة أكسفورد: «بعد تصويت عام شارك فيه أكثر من سبعة وثلاثين ألف شخص، يسعدنا أن نعلن أن كلمة أكسفورد للعام 2024 هي «تعفن الدماغ» (brain rot)»، موضحين أن سبب الاختيار هو التدهور المفترض للحالة العقلية أو الفكرية للشخص، خاصةً نتيجة الإفراط في استهلاك المواد (الآن بشكل خاص المحتوى عبر الإنترنت) التي تعتبر تافهة أو غير محفزة للتحدي (الذهني)..
وذكر الموقع أنه خبراء اللغة بالجامعة أعدوا قائمة مختصرة من ست كلمات تعكس الأمزجة والمحادثات التي ساعدت في تشكيل العام الماضي، وبعد أسبوعين من التصويت العام والمحادثات الواسعة النطاق، اجتمع الخبراء للنظر في مدخلات الجمهور ونتائج التصويت وبيانات اللغة، قبل إعلان «تعفن الدماغ» باعتبارها الكلمة النهائية للعام.
قاموس أكسفورد وهو أشهر قاموس إنجليزي، تقارب معه القاموس الذي لا يقل عنه شهرة وهو ميريام وبستر الذي اختار كلمة «الاستقطاب» (الانقسام إلى مجموعتين من الآراء أو المعتقدات المتناقضة بشدة)، كلتا الكلمتين مترابطتان فالأولى تشير إلى تصفح وسائل التواصل الاجتماعي بلا تفكير عبر محتوى غاضب ومثير للاستقطاب، وفي كثير من الأحيان لا يقدم أي تنوير للعقل، حسب الذين اختاروا هاتين الكلمتين.
أما مجلة فورين بوليسي فجمعت عبر الكاتبة إليزابيث براو العديد من الكلمات لعام 2024 بدأتها بهاتين الكلمتين السابقتين، تلتها بكلمة لا يعرفها أغلب الناس لأنها من مصطلحات البحارة الغامضة وهي «سحب المرساة» (anchor-dragging)، حيث تكررت ما تذكره دول وشركات بشأن سحب مرساة أو قطع كابلات مما أثار شكوكاً في حدوث أعمال تخريب، ومن أشهرها في 18 نوفمبر الماضي انتشرت أنباء عن قيام سفينة بسحب مرساها عمداً ليس فقط عبر كابل بحري واحد بل كابلين بحريين في موقعين مختلفين في بحر البلطيق، مما أعاد إلى الأذهان حوادث أخرى في نفس الممر المائي حققت فيها السلطات باعتبارها أعمال تخريبية محتملة بما في ذلك إتلاف خط أنابيب غاز وكابلات تحت البحر العام الماضي وانفجارات خطوط أنابيب الغاز في بحر الشمال عام 2022.
في سياق هذه الكلمة ظهر مصطلح «أندية الحماية والتعويض» (PالجزيرةI club) وهي خاصة بالتأمين البحري، فقبل عام 2024 لم يكن معظم الناس على دراية بالعالم القوي لأندية الحماية والتعويض - حسب المجلة - إنما الآن تهيمن على الكثير من المحادثات، لأنها لعبت دورًا حاسمًا في النمو الهائل لأسطول الظل من السفن في بحار العالم، والذي يُشار إليه أيضًا باسم الأسطول المظلم.. ويقصد بأسطول سفينة أو مركب يستخدم تكتيكات التمويه لتهريب السلع الخاضعة للعقوبات، وظهرت تلك الأساطيل نتيجة للعقوبات الاقتصادية الدولية أو الأحادية الجانب، ونالت شهرة بعدما فرضت الدول الغربية عقوبات على النفط الروسي في ديسمبر 2022.
مصطلح «الانقلاب الذاتي» (autogolpe) عاد ليصبح رائجاً في هذا العام، عندما فرض الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول الأحكام العرفية، ولكن سريعاً ما تسلق أعضاء البرلمان الجدران للتصويت على إسقاطها، وتراجع يون عن قراره بعد ست ساعات فقط.. وكان المصطلح انتشر في أوائل تسعينيات القرن العشرين، عندما حل الرئيس ألبرتو فوجيموري في بيرو برلمان بلاده، وعلق العمل بدستوره، وشرع في الحكم بالمراسيم؛ وبعده ببضعة أشهر فقط، نظم الرئيس خورخي سيرانو إلياس في غواتيمالا أيضا انقلابا ذاتيا.. وفي كل الأحوال فشلت الانقلابات الذاتية..
كلمتا «الغاليوم والجرمانيوم» (Gallium and germanium) حسب أسلوب الدوائر الإلكترونية تعني رقائق أشباه الموصلات، تم اختيارهما لأنهما من المعادن النادرة التي لا توجد بشكل طبيعي، بل يتم تشكيلها عادةً كمنتج ثانوي لمصافي المعادن الأخرى، وفي ديسمبر أعلنت الصين أنها حظرت تصدير هاتين المادتين إلى الولايات المتحدة بالإضافة إلى مواد أخرى لا غنى عنها في تصنيع الهواتف الذكية والمركبات الكهربائية والأسلحة الحديثة، حيث تهيمن الصين على إنتاج هذه المواد. صورت بكين هذه الخطوة على أنها إجراء دفاعي تم اتخاذه ردًا على حظر إدارة بايدن على صادرات الولايات المتحدة من مكونات الرقائق المختلفة إلى الصين.
هذه من أهم المصطلحات السياسية الجديدة التي ظهرت بالسنة الأخيرة أو التي عادت للاستخدام بعدما أهملت، فالتغييرات الهائلة التي تحدث في عالم اليوم وتتغير معها الجغرافيا السياسية، لتنبثق اتجاهات وعلاقات وبيئات وأنظمة جديدة تنشأ عنها مصطلحات جديدة أو مصطلحات كانت على رأس الأخبار ثم تراجعت والآن تعود من جديد للواجهة مثل مصطلح الحرب الباردة، أو تتعدل مصطلحات موجودة وتأخذ معنى جديدًا، وقد تتفرع من كل ذلك مصطلحات جديدة.
قد تبدو بعض المصطلحات مناسبة وبعضها الآخر غير مناسب، يقول لوارن بافيت، الذي يطلق عليه حكيم أوماها المدينة الأمريكية: «المصطلحات السيئة هي عدو التفكير الجيد». ما يعنيه بافيت هو أن المصطلحات سيئة التصميم تعيق الناس عن اتخاذ قرارات معقولة وفهم الأشياء، فكيف إذا مرّ العالم بمرحلة تغيير حادة يصعب فيها الفهم؟ فهل كلماتنا تشكّل العالم؟ أم أن العالم يشكّل كلماتنا؟ سؤال فلسفي قديم يسلط الضوء على العلاقة المعقدة المتداخلة بين واقعنا وكلماتنا، والظاهر لنا أن الواقع هو من يشكل كلماتنا..