: آخر تحديث

صوت العقل يضيع في الظلام الباهر!

6
6
6

محمد الرميحي

كل يوم نسمع عن مقتل عدد من الفلسطينيين في غزة، يوم ثلاثون قتيلاً، منهم عدد من الأطفال والنساء، وبعده خمس وعشرون قتيلاً أيضاً من الرجال والنساء الأطفال، والوضع الصحي كارثي، والجوع والبرد يفتكان بالناس، والحقائق على الأرض كارثية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

بعض العالم متعاطف، ولكن ذلك التعاطف لا يؤثر في التنجية وهي الإبادة، سواء جاء التعاطف من الدول أو الجماعات الأخرى، كالمنظمات الإنسانية أو غيرها، ولا حتى المؤسسات القانونية.

المناقشة هنا ليست باتجاه ما تفعل إسرائيل، فهو فعل إبادة، لا يبرره أحد، فهي أي إسرائيل في الأغلب تعرف أين يوجد المختطفون أو الأسرى (سمهم كما شئت)، ولكنها لا تريد أن تستردهم لسببين: الأول، ربما افتراضي، يمكن تسويقه للرأي العام الإسرائيلي (إننا لو حاولنا بالقوة فإن حياتهم سوف تكون في خطر)! أما الثاني فهو سياسي في تركهم في مكان ما في غزة، والاستفادة من بقائهم هناك لإكمال الأرض المحروقة في غزة، والتنكيل بأهلها، ووصل الأمر إلى استهداف المستشفيات والقوى الشرطية، لم يبقَ أحد في غزة لا يتوقع الموت! العودة المكررة للمفاوضات لا أكثر من شراء الوقت لإكمال الطوق.

أمام هذا الظلام الباهر، الذي يراه الناس على شاشتهم كل مساء، وكله يدمي القلب، ويثير أكثر المشاعر الإنسانية غضباً، لا تراه قيادة حماس، أو من تبقى، وبين وقت وآخر تزيد من حجج إسرائيل للإبادة، بإرسال متفجرات تطير في الهواء، وتسقط في أراضٍ خالية، فتعطي الحكومة اليمينية زاداً سياسياً للتجريف والقتل.

المراهنة كانت خاسرة من بدايتها، فقد راهنت «حماس» على «حزب الله»، ويعرف العالم كيف انتهى ذلك الرهان، كما راهنت على إيران، وأيضاً يعرف العالم كيف انتهى ذاك الرهان، وبقي أهل غزة في البرد والجوع والمرض والخيام، إلى درجة أنهم يستغيثون بالعالم بكلمات تفطر القلب (وين نروح)!

والإنسان يشاهد هذه الصورة، ويسمع تلك الصيحات، لا يجوز له إلا أن يقول إنه (حتى المغامر بعد الخسارة المحققة) يكف عن اللعب وينسحب.

دعونا نفكر في سيناريو إطلاق المعتقلين الإسرائيليين في غزة أمام كاميرات العالم، والقول (عذركم في الأرض المحروقة قد انتهى)، فأي عذر أخلاقي يمكن أن يبرر بعد ذلك لاصطياد أهل غزة في خيامهم، ربما عندها يكون الأمر مختلفاً، ذلك سيناريو محتمل، وهو تجريد الخصم من سلاحه الأخلاقي إن وجد.

المؤسف أن قيادة «حماس»، أو من بقي منها، لا تفكر بهذا السيناريو، فكانت مخطئة في حساباتها الأولى، واستمرت على خطأ بإحلال الكلام والعواطف بدلاً من الحسابات السياسية الواقعية.

إسرائيل حصلت على دعم غير مسبوق من دول العالم الكبرى، وحتى بعض الدول الغربية التي أبدت رأياً مخالفاً، رأياً فقط، حاصرتها إسرائيل من داخلها، كما حدث لفرنسا، فبلعت لسانها، غير أنها لم تأبه حتى بالإدانة القانونية الدولية، الوضع كله في (ظلام مبهر).

بعد سنة وأكثر من 3 أشهر حتى الآن منذ «طوفان الأقصى» فإن «الطوفان» بعد كل تلك الأشهر حدث في مكان آخر، وعلى وجه التحديد في ما كان يسمى «محور المقاومة»، وغير الاسم بعد ذلك إلى «محور المساندة» في تحوير سريع استجابة لمزاج يهوى العناوين!

لم يبقَ إلا شطحات ميليشيا الحوثي، والذي يظهر متحدثه العسكري في صورة كاريكاتيرية وكأنه (فتح عكا)! والأنكى أنه يصدق نفسه، ويضع زعيمه شعاراً خلفه (الموت لأمريكا) وفي الحقيقة من يموت هم أبناء غزة في الأكثر، وأيضاً أبناء اليمن، إنه زمن عبثي بامتياز، تخضع حساباته السياسية ليس للعقل والمنطق، ولكن للخرافة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.