: آخر تحديث

في انتظار اقتناع إيران بخسارة سورية...

6
6
6

خيرالله خيرالله

في انتظار تبلور الوضع الإقليمي الذي يمرّ في مرحلة مخاض من النوع العسير، يبدو مفيداً التساؤل، متى تستوعب إيران حجم الخسائر التي أصيبت بها، خصوصاً في سورية؟

يوجد رفض واضح لدى كبار المسؤولين في «الجمهوريّة الإسلاميّة» للاعتراف بأنّ إيران خسرت سورية التي كانت حليفاً لها منذ اليوم الأوّل لقيام النظام الجديد الذي أسسه آية الله الخميني، في العام 1979. لم يمرّ وقت طويل على نجاح الثورة التي قام بها الخميني، على نظام الشاه، حتّى سارت سورية في ركاب إيران التي دخلت حرباً مع العراق.

استمرّت تلك الحرب ثماني سنوات كاملة. انتهت بشبه انتصار عراقي لم يفهم الراحل صدّام حسين، أبعاده أو معناه الحقيقي. حارب العراق طوال ثماني سنوات على جبهتين. جبهة إيران وجبهة سورية. لم يتردّد حافظ الأسد، في دعم «الجمهوريّة الإسلاميّة». كان وراء حصولها على صواريخ من ليبيا. استخدمت هذه الصواريخ في قصف بغداد ومدن عراقيّة أخرى.

لا يمكن حصر أحداث 2024، بخروج إيران من سورية ولا بالهزيمة التي لحقت بـ«حزب الله» في لبنان. تصلح عناوين كثيرة لسنة استثنائية. على الصعيد العالمي يبرز عنوان عودة دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض والمخاوف الأوروبيّة المشروعة من تلك العودة، خصوصاً في ظلّ استعداد ترامب لعقد صفقة مع روسيا على حساب أوكرانيا. يتجاهل الرئيس الأميركي القديم - الجديد ما يمكن أن تتركه من آثار مثل هذه الصفقة، التي ستكافئ فلاديمير بوتين، على حرب شنها على دولة أوروبيّة مستقلة، على القارة العجوز وكلّ دولة من دولها.

الأهمّ من ذلك كلّه، انعكاسات مثل هذه الصفقة على الأمن الأوروبي وعلى مستقبل العلاقات الأوروبيّة – الأميركيّة في وقت تمرّ دولتان أوروبيتان أساسيتان، هما المانيا وفرنسا في أزمتين داخليتين عميقتين. تكمن أزمة المانيا، المقبلة على انتخابات نيابية في فبراير المقبل، في صعود اليمين المتطرف بكلّ ما يمثله من مخاطر أوروبياً وألمانياً. أمّا أزمة فرنسا، فإنّّها في غياب قدرة مؤسسات الجمهوريّة الخامسة التي بناها الجنرال ديغول، على التكيف مع واقع سياسي جديد تسبب به وجود إيمانويل ماكرون، في قصر الإليزيه. تدور فرنسا في حلقة مقفلة ليس ما يشير إلى أنّها ستخرج منها قريباً في غياب تغيير كبير وإصلاحات في العمق على صعيد مؤسسات الجمهوريّة ذات النظام شبه الرئاسي الذي بناه ديغول.

على صعيد المنطقة التي نعيش فيها، كانت السنة 2024، سنة التغيير الكبير الذي تسبب به الراحل يحيى السنوار الذي كان وراء هجوم «طوفان الأقصى». لم يعش السنوار ما يكفي لرؤية ما حل بغزة، وانتهاء بالقضاء على النظام السوري الذي عمّر 54 عاماً والذي جعل من سورية دولة تدور في الفلك الإيراني، خصوصاً منذ خلف بشّار الأسد، حافظ الأسد، في العام 2000. الأكيد أنّ الأسد الأب كان حليفاً لـ«الجمهوريّة الإسلاميّة» في إيران، لكنّه حافظ على كلّ وقت على هامش ضيّق كي يسهل عليه ابتزاز العرب عموماً.

وجه «طوفان الأقصى» أيضاً ضربة قوية لـ«حزب الله» بعدما استسهل زعيمه الراحل حسن نصرالله، فتح جبهة جنوب لبنان وخوض حرب «إسناد غزّة». لم يدرك النتائج التي ستترتب على مثل هذا القرار الذي في أساسه رغبة إيران في التأكيد للولايات المتحدة أنّ مفتاح توسيع حرب غزّة في يدها... وليس في يد إسرائيل وبنيامين نتنياهو وحكومته.

ارتدّت الحروب التي خاضتها «الجمهوريّة الإسلاميّة» على إيران نفسها. نرى إيران في حال ضياع. يدل على هذا الضياع التصريحات الإيرانية الأخيرة التي لاتزال تراهن على استعادة سورية. هناك جهل إيراني واضح بأمور سورية حيث يشعر الشعب بسعادة ليس بعدها سعادة بعد التخلّص من نظام آل الأسد ومن الوصاية الإيرانيّة.

اثبتت إسرائيل أنّ في استطاعتها خوض حروب عدّة في الوقت ذاته. ذهبت من تدمير غزّة وتوجيه ضربة قويّة إلى «حزب الله»... إلى رفع الغطاء عن النظام العلوي في سورية. من الواضح أنّ تركيا دخلت على خطّ الاستفادة إلى أبعد حدود من تراجع المشروع التوسّعي الإيراني.

ثمة واقع لم يعد في استطاعة أحد الهرب منه. حلّت تركيا مكان إيران في سورية. ذلك هو العنوان الأبرز لأحداث 2024. سيكون ذلك العنوان الأبرز للسنة 2025 أيضاً. ما الذي ستفعله تركيا بالورقة السوريّة؟ كيف سيستغلّ الرئيس رجب طيب أردوغان، الفشل الإيراني؟ ليس مستبعداً أن تكون تركيا أكثر تعقلاً من «الجمهوريّة الإسلاميّة» التي لم تستوعب يوماً أنّه لن يكون في استطاعتها إحداث تغيير ديموغرافي في سورية.

ستكون السنة 2025، سنة الصعود التركي في المنطقة في مقابل التراجع الإيراني. سيعتمد نجاح تركيا، ذات الاقتصاد الضعيف، على مدى قدرتها على مد جسور مع القوى العربيّة الفاعلة أولاً وعلى التخلي عن أيديولوجية الإخوان المسلمين ثانياً وأخيراً. هل يمتلك أردوغان ما يكفي من الحكمة بما يسمح له باستيعاب أن المشروع الإخواني لا يصلح لبناء دولة عصرية في سورية تنقل هذا البلد المهم إلى مكان آخر بعد سنوات طويلة من التخلّف والقمع والظلم والقتل والمتاجرة بالشعارات الوطنية مارسها حافظ الأسد وورّثها إلى نجله؟

يظهر أنّ تركيا تحاول بالفعل تفادي تجربة إيران سورياً. يشير إلى ذلك التحسّن الكبير في العلاقات السوريّة – السعودية. توجد قناعة تركية بوجوب الاستعانة بالعرب، خصوصاً بأهل الخليج ومصر في سورية. المؤسف أنّه لا توجد قناعة لدى «الجمهوريّة الإسلاميّة» بأنّ ما حصل في سورية طي لصفحة إيران في هذا البلد العربي. يكفي أنّه لم تعد سورية مستعمرة إيرانيّة ولم تعد جسراً لنقل أسلحة وصواريخ لـ«حزب الله» في لبنان.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.