عبدالله الزازان
منذ بدايات تداخلي مع الدراسات الآسيوية وانفتاحي عليها، شعرت أن هناك تحولًا فكريًا نقل تفكيري من الدراسات الأدبية والنقدية إلى الدراسات الشاملة، وبخاصة الدراسات الآسيوية الذي أراه من جانبي تحولًا في مستوى الوعي الفكري والتخصص المنهجي. ولم يكن هذا التحول محاولة مقصودة مني للانفصال أو هجرًا لواقعي الأدبي والنقدي، وإنما كان تطورًا طبيعيًا نتج بشكل تلقائي، من جراء واقع دراساتي الآسيوية. فلقد أمضيت زمنًا طويلًا ناقدًا أدبيًا، وقد راكمت على مر السنوات قراءات ودراسات أدبية ونقدية، ولا أزال منفتحًا على القراءات والدراسات الأدبية، فأنا لست سوى تلميذ مخلص للأدب والنقد. ولكن استغراقي في الدراسات، ومن ضمنها الدراسات الآسيوية، وولعي وانشغالي بها جاء من واقع تخصصي وانجذابي لها، التي أراها حقلًا خصبًا من حقول البحث العلمي. ولذلك، بقيت الدراسات مستحوذة على تفكيري وفي كثير من كتبي ومقالاتي البحثية ودراساتي، وفي نفس الوقت فتحت ذهني على العلوم الأخرى كعلم الاجتماع وعلم الأنثروبولوجيا وعلم الفلسفة وعلم النفس الاجتماعي وعلم التاريخ الاجتماعي. فالدراسات بشكل عام، والدراسات الآسيوية بشكل خاص، تتغذى على معظم الحقول العلمية والمعرفية. فالأزمنة الحديثة، في تحولاتها وتمرحلها في تصوري، تعتمد على الدراسات العلمية حيث تُعد الدراسات أحد مكونات ومرتكزات العصر الحديث، وخصوصاً الدراسات ذات الكفاءة العلمية والمهارة البحثية. ولذلك فإنني كثيراً ما أطرق الموضوعات التي تتعلق بقارة آسيا دراسة وبحثاً، حيث أجد ميلاً ذهنياً وفكرياً وثقافياً ووجدانياً نحو دراسات هذه القارة، فرغم أنني تتلمذت علميًا- في وقت ما- على الدراسات الغربية فإنني أجد ميلًا فطريًا لآسيا، فالدراسات المستقلة تنظر إلى آسيا كمركز للعالم الجديد، فالمستقبل اليوم لآسيا، حيث تمتلك الشروط الموضوعية لأحداث تحول تاريخي في العالم، باعتبارها الآن تمتلك نظرية إستراتيجية متكاملة لإدارة العالم في المستقبل. ولذلك أراني في دراساتي منفتحًا عليها، حيث تشدني كثيرًا موضوعاتها وأطروحاتها وقضاياها. ومن بين الموضوعات التي لفتت انتباهي مؤخراً التحولات التي يمر بها البشتون، فقد بدأنا نشهد جيلًا جديدًا من البشتون يدرسون العلم الحديث في معاهد وجامعات العالم، ويتداخلون مع العلوم والتقنيات والمبتكرات الجديدة، تداخلًا علميًا وتقنيًا حيث يتمتعون بمقدرات عقلية وتراكمات علمية، وأصبح لهم حضور نوعي، في الأوساط العلمية والتكنولوجية، إذ يتميزون بعقلية النجاح ومهارة الإنجاز والطموح اللامحدود، وفي نفس الوقت المحافظة على قيمهم وأخلاقهم وسلوكهم وتقاليدهم وأعرافهم الاجتماعية. فالاتجاه نحو التحضر بدأ مع تدفق البشتون من الأرياف والقرى إلى المدن. حيث نشأت مجتمعات حديثة خلال حقبة السبعينيات خارج مناطق البشتون، وذلك بفضل الهجرات إلى بريطانيا وكندا وأستراليا والشرق الأوسط والخليج العربي. فالمجتمع البشتوني جزء من العالم الإسلامي السني، متمسك بالقيم الدينية والتقاليد البشتونية، ويشددون بصورة رئيسية على صياغة المجتمع البشتوني على ضوئها، حيث نجدهم فخورين بثقافتهم وأعرافهم الاجتماعية، وعلى قناعة كبيرة بنمط حياتهم، إلا أن الأجيال الجديدة من البشتون، يمرون بتحولات ونقلات نوعية، كغيرهم من الأجيال الأخرى في كل المجتمعات الإنسانية، إلا أنهم يدركون أن قوتهم تكمن في قيمهم ومبادئهم وأعرافهم. ولذلك نجد عند الجيل الجديد أن التقدم التكنولوجي والتطور الاجتماعي والثقافي. صاحبه تقدم عام موازٍ في القيم والمبادئ والأخلاق الإنسانية وانفتاح على الثقافات والمجتمعات الحضارية. حيث أظهر هذا الجيل الوجه المشرق والواقعي للبشتون، وألغى النظرة السلبية عن البشتون، على أنه خارج التاريخ وبعيداً عن التحديث والحداثة، والأخذ بأساليب العصر، ولكن الجيل الجديد ألغى تلك النطرة وأعاد توازنه الذاتي عن طريق العلم والفكر والتقنية، محاولاً أن يقدم نفسه للعالم من منطق القيم الإنسانية والحضارة المعاصرة والنظر لها كحضارة علم وتقنية وقيم ومبادئ. فتاريخياً يشكل البشتون مجموعات قبلية، حيث يوجدون في جنوب شرقي أفغانستان وغرب باكستان وتُعد نواة الأعراق البشتونية. وإن كانت المصادر التاريخية تشير إلى أن البشتون يقيمون بشكل أساسي في المنطقة الواقعة بين سلسلة جبال الهندوكوش شرق أفغانستان وفي القسم الشرقي من باكستان. وتُعد القومية البشتونية من الشعوب الآرية الهندو-أوروبية، ويتمتعون بخصائص العرق الآري، وجميع البشتون يتحدثون لغة مشتركة هي البشتو. ويشكل البشتون نحو 42% من سكان أفغانستان، ويمثلون في باكستان ثاني أكبر مجموعة عرقية بعد البنجابية.البشتون تدشين فصل جديد
مواضيع ذات صلة