ماذا يعني فوز الإصلاحي مسعود بزشكيان بالرئاسة الإيرانية؟ هذا سؤال بحجم الدور الذي تلعبه طهران في الملفات الإقليمية والدولية.
باديء ذي بدء، من نافل القول إن فوز بزشكيان يعني هزيمة النظام المحافظ في إيران الذي يمسك بمفاصله المرشد آية الله خامنئي، وهو وحده الذي يحدد بوصلة التحرك سواء في خريطة التنافس الداخلي أو في ميادين التناقضات الإقليمية والعالمية.
في مطلع 2020، حين اغتالت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الرجل القوي في النظام الجنرال قاسم سليماني، كثرت التحليلات والتوقعات بأن المنطقة تتجه نحو انفجار كبير. لكن النتيجة كانت أن طهران أعادت تشكيل خارطة التحرك العسكري، تحديداً في العراق وسوريا، على أساس أن الأولوية هي لبقاء النظام واستمرار ديمومته.
وفي مايو الماضي، تابع العالم أغرب عملية سقوط لطائرة رئاسية كانت تقل الرئيس الإيراني المحافظ الراحل إبراهيم رئيسي. كثرت أيضاً التحليلات والتوقعات حول ظروف السقوط. لكن طهران، بعد انتخاب بزشكيان، تعلن بشكل أو بآخر إعادة تشكيل خارطة التحرك السياسي داخلياً وخارجياً. وها هو الرئيس الجديد يقول في أول تصريح له بعد فوزه: "سنمد يد الصداقة للجميع، نحن جميعاً شعب هذا البلد. علينا الاستعانة بالجميع من أجل تقدم البلد". وقد سبق للرئيس الجديد أن دعا إلى "علاقات بنّاءة" مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية من أجل "إخراج إيران من عزلتها".
تجيد إيران استغلال مساحات الفرص واقتناص الاستثمار في المحطات السياسية، تحديداً المفصلية منها، وتجيد أيضاً الخروج من عزلة التخندق في التوقيت الأمثل. وهي مع كل محطة أو مرحلة تدفع إلى واجهة العمل "المكون السياسي" الذي يخدم القضية والنظام ونتائج مفاوضات الغرف المظلمة، تحديداً مع الولايات المتحدة.
من هنا، يحق لنا كمتابعين التساؤل كيف أن مجلس صيانة الدستور أعطى مباركته لأربعة مرشحين من أصل ثمانين مرشحاً، ثلاثة منهم يمثلون التيار المحافظ الذي تشتتت أصواته، إلى جانب بزشكيان الذي حصد وحيداً أصوات الإصلاحيين. وفي حدث نادر، نشرت وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» في 28 يونيو الماضي صورة لرجل الدين الإصلاحي مهدي كروبي لحظة الإدلاء بصوته في مقر إقامته الجبرية، ونقل عنه أيضاً أهمية التصويت للمرشح بزشكيان.
من هنا، في النتائج السياسية المتوقعة داخلياً وخارجياً لانتخاب بزشكيان يظهر التالي:
- تنفيس الاحتقان الداخلي الإيراني المتحرك على بساط الفقر بفعل العقوبات الدولية. وثمة توقعات أن يعطي الرئيس الجديد دوراً أكبر للمرأة الإيرانية وإنصاف الأقليات.
- تفرغ النظام لمسألة في غاية الأهمية، ألا وهي ترتيبات خلافة المرشد.
- رسالة واضحة إلى الإقليم، وتحديداً دول مجلس التعاون الخليجي والعراق، بأن روحاً جديدة ستغلف المحادثات حول القضايا الخلافية، وفي مقدمتها الحدود البحرية مع الكويت والسعودية. كما ستجد الفصائل العراقية الموالية تقليدياً لإيران نفسها أمام خيار الانضواء تحت سيادة الدولة ومصالحها.
- التمهيد لإعادة شخصيات إلى مواقع القرار مثل وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف بما يتناسب والشكل الجديد لخارطة التحرك السياسي.
- إعطاء فرصة حقيقية لإحياء الاتفاق النووي مع واشنطن، وهو الأمر الذي ينتظره سيد البيت الأبيض جو بايدن. وبالطبع، فإن إيران تنتظر رد الجميل برفع جزء أساسي من العقوبات بينما تمد بايدن بإنجاز يتكيء عليه في المضي بالمعركتين: معركة البقاء في البيت الأبيض، ومعركة مواجهة الشيخوخة.
- يعزز وصول بزشكيان إلى السلطة القناعة برغبة إيران في إيجاد حل سلمي لحرب غزة، والابتعاد عن منصة المغامرة بـ"درة التاج" - حزب الله - بخوض حرب غير محسوبة الأبعاد والمخاطر في جنوب لبنان.
في اللغة الفارسية، بزشكيان تعني الطبيب. فهل يتمكن بزشكيان المرحلة من معالجة الملفات الإيرانية المزمنة؟ الأيام حبلى بالمفاجآت.