وصل الزعيم الكردي مسعود البارزاني إلى بغداد في زيارة وصفت بالتاريخية، وسبب هذا الوصف يعود لانقطاعه عن زيارة بغداد منذ عام 2018، حين اتخذت الحكومة العراقية آنذاك قرارها باستعادة كركوك من الإدارة الكردية، فاجتاحت القوات العسكرية مدينة كركوك، وأسقطت محافظها وعينت محافظاً جديداً لها، كذلك أوقفت عمل مطارات كردستان في أربيل عاصمة الإقليم وكذلك مطار السليمانية، كما أغلقت حدود الإقليم مع تركيا وغيرها؛ تلك الإجراءات كانت ردة فعل من حكومة المركز ضد الاستفتاء بالانفصال الذي أجراه الإقليم بدعوة من رئيس الإقليم وقتها مسعود البارزاني ونقضته المحكمة الاتحادية في العراق.
ست سنوات تفصل البارازاني عن بغداد حدثت خلالها العديد من الاتهامات السياسية والتهديد باجتياح الإقليم والتعرض للقصف الصاروخي، كذلك اتهامات إيران لأربيل بأنها تضم قواعد للموساد الإسرائيلي ودائرة واسعة من التهم وإجراءات الإقصاء وعدم دفع المستحقات المخصصة ضمن الموازنة السنوية للإقليم وإيقاف تصدير نفطه عبر تركيا.
إقرأ أيضاً: الديمقراطيات العربية.. صراع الهويات الفرعية!؟
بعد تسلم محمد شياع السوداني رئاسة الحكومة في بغداد، انعطفت العلاقة بين المركز والإقليم نحو مسار إيجابي، ونستطيع القول إن كلاً من بغداد وأربيل اتجها نحو الحوار لتفكيك الأزمات ومعالجتها، ولأنها ملفات عديدة وبعضها معقد ومتراكم منذ سنوات، فقد جاء الاتفاق على بدء علاقة إيجابية ومعالجة ما يمكن معالجته في موضوع إيصال رواتب موظفي الإقليم والتعاون الأمني والاتفاق على موقف سياسي واحد إزاء العديد من الأحداث التي شهدها العراق والمنطقة، وجاءت زيارة رئيس الإقليم قبل عدة أشهر لتفكك بعض العقد في أفق العلاقة بين أربيل وعدد من الأطراف السياسية والميليشياوية التي كانت تنطوي على احتقان صارخ ضد الإقليم والحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يقوده مسعود البارازاني، بعده جاءت زيارة رئيس وزراء الإقليم مسرور البارزاني لترطب الأجواء أكثر، وتضع العلاقة على سكة التفاهم والبحث عن حلول مقبولة للطرفين، وقد بانت ملامح هذه التوجهات عندما استقبل البارزاني أبو آلاء الولائي زعيم كتائب سيد الشهداء صاحب المواقف المتشددة والتصريحات المعادية للإقليم، وخصوصاً استهداف شخصية مسعود البارازاني، وتلك أبرز مؤشرات التغيير والتحول بالمواقف في الداخل العراقي، ولعل بعض الإشارات بهذا الشأن قد جاءت من إيران التي تحسنت علاقتها مع الإقليم في الآونة الأخيرة.
إقرأ أيضاً: الدكتاتور المتمرد صدام حسين يتناسل عراقياً
زيارة الزعيم مسعود البارازاني واجتماعه مع القيادات السياسية والحكومية في بغداد وكذلك مع رئيس مجلس القضاء وفتح باب الحوار المباشر عن أهم وأبرز الأزمات والملفات العالقة، ومنها قضية كركوك ومشروع المناطق المتنازع عليها، قانون المحكمة الاتحادية وإعادة تشكيلها، حصص الإقليم المالية وانسيابيتها، ملف النفط والغاز والقانون المتأخر بهذا الشأن، كذلك التداول بالشأن الأمني والموقف من قوات التحالف الدولي والعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن تحقق لقاؤه معها بعد وصوله بغداد بساعات.
إقرأ أيضاً: الأسلحة السرية!
أعتقد أن الظرف السياسي والأمني والمتغيرات التي تهدد المنطقة والموقف من البكه كه وتواجد القوات التركية في مناطق الإقليم وماسينتج عنه من تصادمات مسلحة، تمثل الدافع الأقوى لمجيء البارزاني الأب إلى بغداد وحث الجميع على تخطي الخلافات وتصفيرها من أجل مصلحة العراق قبل هبوب العواصف. كما تؤكد الدعوة لروح الأخاء وتنمية روح والتفاهم والتقارب أكثر، خصوصاً أنَّ منطقة الشرق الأوسط أقرب للتفجر من أي وقت سابق، ومن خبرة الزعيم البارازاني وعلاقات الدولية الممتازة مع العديد من ملوك ورؤساء وقادة دول العالم فمن المؤكد أنه قد جاء بنصائح وتوصيات ومعلومات لتجنب العراق الإنزلاق مع الأحداث وخصوصاً الحرب إذا حدثت.
الرئيس البارازاني هو الآن في العقد الثامن من العمر وهو الوحيد الفعال المتبقي من القادة العراقيين الذين اشتركوا بعملية التغيير بعد 2003، ما يعني بلوغه النضج السياسي والنظرة الثاقبة مع المعلومات لجميع البرامج التي ترسم للعراق من خارجه وربما من داخله أيضاً، لكن السؤال المهم، هل يتقبل الآخرون الدور الأبوي الناصح من البارازاني في هذه اللحظة من التاريخ السياسي الحرج للعراق والشرق الأوسط عموماً؟