: آخر تحديث

هل تنتقل شرارة الحرب في غزة إلى الضفة؟  


39
34
36

تتواصل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المكلوم لشهرها التاسع دون أن توقف تل أبيب حملاتها المستعرة على مخيمات النازحين في منطقة رفح الحدودية مع مصر. إلى جانب هذا، يشير التصعيد الأخير في الضفة الغربية إلى احتمال أن تنفجر الأوضاع بشكل يدفع إسرائيل إلى تفادي الانزلاق في مواجهة مع حزب الله حتى لا تتورط في المزيد من المتاعب.

في الأيام الماضية، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي هجومًا على قرية أم الخير في الضفة الغربية، فشرد الجيش بالقوة ربع سكان تلك القرية البدوية وهدم عددًا من منازلها. كما دخلت جرافات ومركبات عسكرية إسرائيلية القرية وهدمت ما لا يقل عن سبعة منازل قبل أن تغادر المنطقة، مما جعل هناك خمس عائلات أو ما يقرب من 40 شخصًا من إجمالي 200 نسمة في القرية بلا مأوى، بما في ذلك حوالى 30 طفلًا.

تلك السياسات الإسرائيلية الهمجية لم تتوقف منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، فقد وسع الجيش الإسرائيلي من اقتحاماته وعملياته بالضفة مخلفًا 553 قتيلًا فلسطينيًا في الضفة بينهم 133 طفلًا، إضافة إلى نحو 5 آلاف و200 جريح، وفق بيان رسمي لوزارة الصحة.

كما كانت التصريحات العدوانية لوزير المالية في حكومة الاحتلال بتسلئيل سموتريتش بشأن الاستيطان في الضفة الغربية، وحملات الاعتقال والمداهمة وتشريد ربع سكان قرية أم الخير البدوية، بمثابة سكب الزيت على النار، الأمر الذي قد يدفع الفلسطينيين إلى الانتفاضة ضد الاحتلال. وفي نفس الوقت، هو خطأ استراتيجي تقوم به إسرائيل ولا تعرف عواقبه، لكن من الواضح أن من آمن العقاب أساء الأدب.

وكان التسجيل الصوتي لسموتريتش اليميني المتطرف قد كشف عن خطة تعزيز السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة وإجهاض أي محاولة لأن تكون جزءًا من الدولة الفلسطينية. حيث قال إن حكومة بنيامين نتنياهو منخرطة في خطة سرية لتغيير الطريقة التي تحكم بها الضفة الغربية لتعزيز سيطرة إسرائيل عليها بشكل لا رجعة فيه دون اتهامها بضمها رسميًا، وأن الهدف الرئيسي لهذه الخطة هو منع الضفة الغربية من أن تصبح جزءًا من الدولة الفلسطينية، وذكر أن ذلك أمر درامي للغاية، مثل هذه التغييرات تشبه تغيير الحمض النووي للنظام. فيبدو أن هناك خطة واضحة لانتزاع السيطرة على الضفة الغربية من السلطة الفلسطينية بالتدريج وتسليمها إلى موظفين يعملون تحت وزارة الدفاع الإسرائيلية.

كما أن سموتريتش المتطرف كشف الستار عن خطط بناء مستوطنات جديدة بالضفة بعدما حصل مؤخرًا على أوامر من قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي تقضي بفرض عقوبات على شركات خلوية لا تحرص على تغطية 95 بالمئة في المناطق خلف الخط الأخضر. وقد رصد مبلغ 50 مليون شيقل (15 مليون دولار) لتوسيع التغطية الخلوية، ورصدت وزيرة المواصلات، ميري ريغف (وهي أيضًا من الليكود)، مبلغًا يضاهي 20 بالمئة من ميزانية خطة البنى التحتية في وزارة المواصلات للمستوطنات بالضفة الغربية، بما يعادل 3 مليارات شيقل (890 مليون دولار). كما أن خطة توسيع البناء بلغت في 2023 أعلى مستوى لها منذ اتفاقات أوسلو في تسعينات القرن الماضي. كما تم الترويج مؤخرًا لعدد قياسي بلغ 12349 وحدة سكنية في مستوطنات الضفة الغربية بما لا يشمل المستوطنات في القدس الشرقية.

وبلغة الأرقام، هناك نحو نصف مليون مستوطن يهودي يقيمون في 146 مستوطنة كبيرة، و144 بؤرة استيطانية مقامة على أراضي الضفة الغربية بما لا يشمل القدس الشرقية المحتلة. وهذه المستوطنات غير شرعية وتشكل عقبة أمام تطبيق حل الدولتين القاضي بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل. حيث كشف تقرير حديث أن عدد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة زاد بنسبة 3 بالمئة تقريبًا خلال عام 2023.

إقرأ أيضاً: إسرائيل والحرب الاقتصادية على الضفة الغربية

إن ما يحدث في الضفة الغربية خير دليل على أن المسار السياسي لحل الدولتين قد انتهى وأن الحكومة المتطرفة في إسرائيل تمضي في خطة ضم الضفة إلى الكيان المحتل، وتحويلها إلى "كيبوتس" أو بؤر استيطان جديدة للإسرائيليين على أرض فلسطين. فمنذ اليوم الأول للحرب على قطاع غزة، لم تعش الضفة الغربية يومًا بحال أفضل، بل كان لها نصيب كبير من التصعيد والتوتر بل وزادت حملات الاعتقالات الإسرائيلية فيها، وكثرت اقتحامات المستوطنين لمنازل الفلسطينيين حتى وصل الأمر إلى اقتحام مدن وبلدات بهدف تنفيذ ضربات استباقية على الخلايا النائمة في الضفة الغربية، وكأن إسرائيل تقول: نحن موجودون رغم انشغالنا بالحرب في غزة.

ومن الواضح أن إسرائيل تلجأ لاستخدام تكتيكات الحرب المتبعة في غزة ضد عناصر فلسطينية في بعض مخيمات اللاجئين بالضفة الغربية، خاصة بعد أن نفذ جيش الاحتلال حوالى 40 غارة بطائرات بدون طيار في الضفة الغربية، خلال الفترة من تشرين الأول (أكتوبر) إلى آذار (مارس). وكذلك قتل الشباب بشكل يومي، آخرهم كانوا 14 شابًا قتلتهم إسرائيل في مخيم نور شمس. هذا فضلًا عن الغارات الجوية بالطائرات بدون طيار وعمليات القوات البرية التي تستهدف المسلحين، حتى سجلت الأمم المتحدة قتل أكثر من 435 فلسطينيًا في الضفة الغربية والقدس الشرقية منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وإصابة 4900 آخرين منذ ذلك الحين على يد القوات الإسرائيلية أو المستوطنين. فهي تريد تحويل الضفة الغربية إلى جبهة حرب أخرى في الأراضي الفلسطينية.

إقرأ أيضاً: السعودية والرهان على السلطة الفلسطينية

وباستقراء المشهد، فربما ترغب حكومة نتنياهو في استغلال حرب غزة لمضاعفة الاستيطان في الضفة الغربية وضمها إلى الكيان المحتل تدريجيًا في اتجاه واضح وصريح لكتابة نهاية القضية الفلسطينية، متجاهلة الموقف الدولي من ملف الاستيطان والعقوبات التي فرضتها دول عدة في العالم الغربي على المستوطنين. فتستغل الانشغال العام بالحرب على غزة لمضاعفة الاستيطان اليهودي وعرقلة إمكانية التوصل إلى سلام وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

ربما يبرهن ما سبق ذكره على أن إسرائيل ليس لديها نية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وتصر على إشعال الأوضاع في كل أنحاء فلسطين، حتى في الضفة الغربية نفسها، حتى تنفذ مخططها بالسيطرة الكاملة على أرض فلسطين دون الاعتراف بحق أصحاب الأرض.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف