سواءً أكنتَ فرداً ناجحاً أم مؤسَّسة فالحة في مجال اختصاصها، أم حزباً مُجداً، أم حكومةً ديناميكية، عليك أن تتوقع دائماً وجود عددٍ هائلٍ ممن يُغيظهم نجاحك في الذي فشلوا فيه، بل وقد يبلغون ذروة الإمتعاض عندما يرونك متمتعاً بصفاتٍ لم يمتلكوها يوماً، ويُسخطهم فوزكَ في الذي لم يقدروا على تحقيقه، وهم على كل حال ليسوا من فئةٍ واحدة فقط، ولا مِن ملة واحدة أو مِن حزبٍ واحد، إنما قد يكون المتبرمون والحانقون من ملل مختلفة، ومن أحزابٍ وتنظيماتٍ ومشارب متنوعة، أو من جهاتٍ لا يجمع شيء بينها إلاَّ كراهيتك والنفور منكَ، لأنك ربما كنتَ أرقى منهم وأنبل في التعاطي الحضاري على الأرض مع الناس، وأخلص منهم في المهمات الني تصدَّيت لها في الجبهات الخارجية والداخلية، وأفلح منهم في خدمة المواطنين وإحراز الأمان وبث الطمأنينة ونشر السلام في الرقعة التي تمتد إليها ظلال حُراسك.
وإذا ما صدقت الأنباء المتعلقة بمجموعة من الحرائق التي اندلعت في أربيل خلال شهرٍ واحد، بينها حريق كبير طال سوق قيصرية بأربيل في 5 أيار (مايو) 2024 الذي أدى حينها إلى احتراق 227 محلاً تجارياً و7 مستودعات، بأنها كانت مفتعلة وفق موقع "كرد ستريت"، وذلك بعد أن ألقت قوات الأمن (أسايش) في أربيل ـ وفق الموقع ذاته ـ القبض على مطلوبٍ بتهمة حرق سوق القيصرية، والذي خلال التحقيقات الأولية اعترف بالتخطيط والمشاركة مع عدة أشخاص في افتعال حرائق في سوق القيصرية مقابل مبالغ مالية تلقاها من أشخاصٍ مقيمين في السليمانية ومدينة قامشلو السورية، وأن أحد الممولين والمحرضين هو مسؤول في حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، حيث جاء في اعترافات المتهم أن تاجراً يعمل في تجارة المحروقات واستيراد السيارات، وآخر يعمل في تجارة المواد الغذائية، كانا على علاقةٍ وثيقة بالتخطيط والتمويل لحرائق أربيل.
فإن صدقَ ذلك الموقع القولَ فيما نشر، فيكشف ذلك بأن المغتاظين من دوام العمران والازدهار الملحوظ في الإقليم وتوفر الأمان فيه ليسوا فقط من المنتسبين إلى الميليشيات العراقية والمسؤولين عن تلك المجاميع المسلحة في الحكومة الاتحادية والبرلمان العراقي، إنما هناك أناس ومنظمات يقفون في صفهم بهذا الإطار، ومع أنهم لم يكونوا مِن قبلُ محسوبين على القوى التي تُضمر الشَّر التام لأربيل، إلاَّ أن نضارة أربيل على ما يبدو تغيظهم جداً، وسلامها يُضايقهم، ووئامها يُجلجل دواخلهم، حالهم في ذلك حال الميليشيات الطائفية وقبلهم دول الجوار، وذلك بما أنهم أخفقوا في كل المهام الموكلة إليهم في المناطق التي يُسيطرون عليها طوال السنوات المنصرمة، وخاصةً أولئك الذين يمتلكون ميزانيات مالية ضخمة وهي أضعاف الإمكانيات المالية المتواضعة لحكومة الإقليم التي تتعرض باستمرار لعمليات العصر المتواصل مِن قِبل منفذي أهداف دول الجوار في بغداد من أجل إنهاك الإقليم وحرمانه من التنفس بحرية.
وبخصوص الراغبين بخنق أربيل، قد ينتاب بعض الساسة من الطاقم القيادي في حكومة إقليم كردستان العراق لحظاتَ من القنوط عندما يشعرون بأنهم يعملون بكل ما لديهم من الطاقة والصدق والأمانة، ويعملون بكل ما يمتلكونه من الجهد والإرادة من أجل إنقاذ الإقليم من براثن الدول المجاورة وأدواتها المفترسة، إلاَّ أنهم فوق ذلك يُلاحظون بأن الكثير من أبناء البلد نفسه يعملون بغباء على تثبيط الهمم، وبث السموم بين الناس خدمةً للأعداء المتربصين بتلك التجربة الفتية، وذلك بدلاً من أن يؤكدوا للأعداء بأنهم ماضون للأمام مع حكومتهم في الظروف العصيبة، ولن يعودوا بأيَّ شكلٍ من الأشكال إلى زمن الخنوع والذل الدائمين طوال زمن الحكومات السابقة.
إقرأ أيضاً: المغتصبة عندنا وعندهم
وصحيحٌ بأنه نتيجة هذا الضغط النفسي المتواصل من الداخل والخارج قد تتسلل هواجس اليأس إلى بعض الكوادر المتقدمة في الإقليم، خاصةً عندما يرون بأنهم لا يُحارَبون فقط مِن قبل الدول المجاورة وأولئك المتحكمين بالمحكمة الاتحادية في بغداد، إنما وحتى من قِبل منظماتٍ كردية عابرة للحدود أيضاً، هذا عدا عمن يتربص بالحكومة من الأحزاب الموجودة في الإقليم نفسه، تلك الأحزاب التي ليس بمقدورها ربما إدارة مدجنة إذا ما تسلَّمت إدارتها، ومع ذلك لا وظيفة لديها إلاَّ تصيد أخطاء الحكومة، ليس من أجل إصلاح الخطأ إنما فقط من أجل التلويح بالمثالب والتشهير بها، كحال مَن يُشير مولولاً حين رؤيته طفلاً يتقدم نحو منتصف الشارع إذ أنه بدلاً من الإمساك بالطفل أو مساعدته لكي يصل الطرف الآخر من الشارع بأمان، يبقى في حالة الفُرجة التامة إلى أن تأتي عربةً مسرعة وتضرب الطفل حتى يبدأ حينها بشن حملته الانتقادية التافهة ليس ضد السائق المسرع فحسب، إنما ضد شرطة المرور أو ضد البلدية أو ضد الحكومة ككل.
إقرأ أيضاً: خامنئي عازف البوق
ختاماً، فمن المؤكد بأننا لسنا في مقام مَن تؤهله مكانته وموقعه المتواضع ليُقدم لهم النصح والإرشاد أو يقوم بتوجيه الملاحظات إليهم، إلاَّ أن أعظم الناس قد تداهمهم هنيهاتَ من الإحباط قد يكونوا فيها بأمس الحاجة لكلماتٍ تعيد لهم الحماس والثقة بالنفس والإنطلاق من جديد، لذا فإن كلامنا يأتي في هذا الإطار لمسؤولي الإقليم حين نقول: إن تلك النماذج البشرية المذكورة في الأعلى ستبقى موجودة بين ظهرانيكم طالما أن الجهل ما يزال في أوج سلطانه، وطالما أن الأحزاب الحانقة تخلِّف أشبالها بشكلٍ دوري، وطالما أن المتطرفين من أصحاب اللِحى لديهم حشود بشرية لا تشبه إلاَّ الروبوتات، لذا فبعد أن تؤخذ ظروف وأوضاع هذه النماذج البشرية بعين الاعتبار مِن قِبلكم، ينبغي الإدراك حينها بأن محاربتكم مِن قبل أعداء الخارج ينبغي أن يحثكم على المضي في الدرب الذي اخترتموه في خدمة شعبكم، أمَّا طعنكم المتواصل ومحاربتكم من قِبل أحزاب هي بينكم ومنكم فمرده أن نشاطكم وفعاليتكم وديناميكيتكم السياسية وتقدمكم المستمر للأمام يُغيظ المتكلسين في الداخل ممن ليس بمقدورهم مضاهاتكم في الحركة والعمل الجاد، ولا مضاهاتكم في تحقيق ربع الإنجازات التي حققتموها رغم الظروف القاهرة، وهنا ليس بوسعنا إلاَّ الدعاء لكم بإفشال مآرب المغتاظين من حاقدي الخارج والداخل، وأن يبقى الخزي والعار من نصيبِ كلِّ مَن كان الأذى ديدنه، كما بودنا تذكيركم في السطر الأخير بالقول المأثور ألا وهو: "إذا طعنك أحد من الخلف فاعلم أنك في المقدمة".