يتبادر إلى الذهن دائمًا سؤالٌ ملحٌ .. هو: هل يبدأ الوعي من الحوار وتقبل الاختلاف مع الآخر؟ أم أن الحوار وتقبل الاختلاف مع الآخر يبدأ من الوعي؟
وأقصد الوعي الجمعي الذي يجب أن تقوم بتنويره وإيقاظه النخب الفكرية والأدبية والعلمية، لتوعية الناس عبر الوسائل الإعلامية والمنابر الثقافية والتعليمية التي تصل قبل كل شيء إلى وعي الأسرة والمدرسة والمنهج التعليمي.
لأنه لو تحاور اثنان فاقدان الوعي بأهمية الحوار والاختلاف مع الآخر.. فإن النتيجة تكون المواجهة، والصراع، وأقل شيء السباب والشتائم.. حينها يضيع الحوار وتتعمق الاختلافات.
وعكس ذلك عندما يتحاور اثنان على مستوى عال من الوعي بأهمية الحوار والاختلاف، لأنهما يدركان أن (من الحوار ينبثق النور) وليس كما يظن الذي يعتقد أن الاختلاف ينبثق منه الرصاص.. لأنه اقتنع أنه الوحيد المالك للحقيقة.
لذلك، كل الشعوب التي تطورت وارتقت بفكرها ووعيها حتى أصبحت تستوعب الآخر البعيد المختلف عنها، عرقًا وعقيدة وأسلوب حياة، لم تصل إلى ذلك المستوى إلا بعد بروز نخب فكرية ذات مستوى ثقافي ومعرفي عال.. تحملت مسؤولية التنوير ومحاربة الجهل والشعوذة والخرافة وزيف المسلمات.
وعندما تمكنت تلك النخب من الوصول إلى عقول الناس وإيقاظهم من غفوة الوعي الجمعي تطورت تلك الشعوب وتجاوزت عقدها وبنت حضارات قوية تحرر العقل من سطوة التلقين والإملاء والقسر، حتى وصلت للمريخ والقمر والفضاء في الوقت الذي ما زالت بعض الشعوب تناقش قضايا تافهة ولا علاقة لها بالعصر الذي تعيشه ولا بالقمر أو المريخ أو الفضاء.
ولابد أن يدرك الناس أن الاختلاف على مر التاريخ لم يكن بسبب الاختلاف في العقائد، وإنما بسبب الاختلاف على المصالح، لكن الدين المزيف والمؤدلج كان حاضرًا وبقوة لتعزيز الخلاف، لأنه كان الوسيلة الأقوى لتقديس الخلافات والصراعات وإثارتها لتنبعث منها الحروب والمعارك.
والدليل على ذلك: أنه عندما يتصارع أصحاب دينين مختلفين يستحضرون الأديان بعقائدها المؤدلجة المتنافرة، وعندما يتصارع أصحاب دين واحد يستحضرون المذاهب، وعندما يتصارع أصحاب مذهب واحد، يخلقون دينًا آخر.. أو مذهبًا آخر.. أو مشكلة تبرر الصراع وبوسيلة دينية يشيطن كل منهم الآخر بحجة عدم فهمه للدين الصحيح، بينما الغاية التي تبرر الوسيلة، هي رغبة كل طرف أن يفرض وجهة نظره ومنهجه وهيمنته لتحقيق الغاية الأهم وهي: السيطرة والهيمنة!