يثير انتشار "جماعة التبليغ" الدينية في جمهورية قيرغيزستان، الريبة في دول آسيا الوسطى. بعض تلك الدول تعتبر أنّ تمدّد وانتشار تلك الجماعة المحظورة لديها، قد يؤثر على نظرة العالم إلى دول آسيا الوسطى، وخصوصاً نظرة الدول العربية والخليجية.
تلك الجماعة المعروفة أيضاً باسم "الأحباب" ومصنّفة على أنّها جماعة دينية متطرفة، تصف نفسها بأنّها منظمة "مسالمة"، وتقول إنّها معنية فقط في "نشر الإسلام"، وذلك من خلال رؤية روحانية "تغلّب كفّة الإيمان على العلوم".
تأسست تلك الجماعة شمال الهند في العام 1927، وهي محظورة في أغلب دول آسيا الوسطى، لكنّها بدأت مؤخراً في الانتشار بشكل مضطرد في قيرغيزستان. ترى دول آسيا أنّ احتمال تأثير تلك الجماعة على العلاقة بين دول آسيا والدول العربية كبير وخطير، خصوصاً بتأثيرها على العلاقة مع الدول الخليجية، التي بدأت تنظر إلى آسيا الوسطى ودولها مؤخراً، على أنّها شريك استراتيجيّ بالغ الأهمية.
آسيا الوسطى "حصان الخليج الرابح"
وتشهد العلاقات الخليجية – الآسيوية منذ نحو عقد من الزمن، ازدهاراً مضطرداً، باعتبار أنّ آسيا تتمتع بمزايا تجعل دولها محطّ اهتمام كبير لدى دول الخليج، وذلك على المستويين الإقليمي والدولي.
وعلى الرغم من أنّ تلك الدول في آسيا الوسطى، لا تطلّ على أيّ من المحيطات أو البحار المفتوحة، إلاّ أنّ موقعها الجغرافي بين قارتي آسيا وأوروبا، وكذلك على حدود قوتين عظيمتين مثل الصين وروسيا، جعل لها أهمية استراتيجية، إن كان من الناحية الأمنية أو من ناحية خطوط التجارة العالمية.
وعلى رأس الدول الخليجية، تبدي المملكة العربية السعودية إهتماماً متزايداً بدول آسيا الوسطى الخمس وذلك نظراً لتنوعها الاقتصادي.
وتُعتبر كازاخستان أكبر الدول بين جيرانها، وهي عاشر دولة منتجة للبترول عالمياً. وكذلك تركمانستان التي تعدُّ رابع دولة في احتياطيات الغاز الطبيعي، بينما تعد أوزبكستان الأكثر ثراءً من حيث الديموغرافيا والتركيبة السكانية والثقافية والموقع الجغرافي، الذي يقع في قلب آسيا.
أمّا طاجيكستان وقرغيزستان فهما الأضعف إقتصادياً، لكنّهما أيضاً الأكثر ثراءً في موارد المياه.
ترى المملكة العربية السعودية أنَّ المشهد الاقتصادي في تلك الدول واعد جداً، ويتحرك بوتيرة متسارعة. كما تعتبر أنّ تلك الدول هي حتى الآن "حصان رابح يجب الرهان عليه".
العلاقات السعودية القيرغيزية
في علاقتها مع قيرغيزستان، قدمت السعودية الكثير من المساعدات والدعم. في نيسان (أبريل) من هذا العام، وقع الصندوق السعودي للتنمية وحكومة قيرغيزستان اتفاقيتين بقيمة إجمالية بلغت نحو 130 مليون دولار:
- الاتفاقية الأولى تهدف إلى تمويل مشروع برنامج الإسكان لبناء المساكن من خلال الإقراض التفضيلي بمبلغ 100 مليون دولار أميركي.
- الاتفاقية الثانية تنصّ على تنفيذ مشروع إعادة بناء جزء من طريق رئيسيّ في قيرغيزستان، طوله 93 كيلومتراً، وذلك بتكلفة تصل إلى قرابة 30 مليون دولار.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الرياض قد تبرعت إلى قيرغيزستان في أيار (مايو) الماضي 2023، بمساعدات غذائية بينها نحو 25 طناً من التمور كمساعدات إنسانية. كما أعلن سفير المملكة لدى قيرغيزستان، في 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2022، أنّ صندوق التنمية السعودي سيقوم بتمويل مشاريع بملايين الدولارات.
وفوق تلك المساعدات، تهتم الرياض أيضاً بالاستثمار في بناء محطات للطاقة الكهرومائية، وغيرها من المشاريع الكبيرة في قيرغيزستان. كما أنّ المزارعين القيرغيزيين يقومون منذ سنوات بتصدير منتجاتهم إلى المملكة العربية السعودية.
قيرغيزستان تلعب بالنار
لكن برغم هذا التعاون كلّه، ونظراً إلى الزيادة المستمرة في عدد أنصار تلك الجماعة في قيرغيزستان، فإنّ عدداً من المراقبين يرون أنّ بيشكيك (عاصمة قيرغيزستان) تلعب بالنار وتخاطر بأن تُصبح مصدراً للإرهاب ودولة عدم مستقرة في المنطقة، ولهذا تتخوّف من أن تنتشر تلك العدوى في آسيا الوسطى.
بل أكثر من ذلك، يرى متخصصون في شؤون الجماعات الإسلامية في آسيا الوسطى، أنّ المنظمة بدأت تحظى بشعبية كبيرة بين المواطنين العاديين والمسؤولين رفيعي المستوى في قيرغيزستان، ولهذا يتخوّفون من أنّ تأثير تلك الجماعة ربما يطال الاتفاقية الموقعة في العام 2022 بين قيرغيزستان و7 دول عربية.
تلك الاتفاقية ترعى عملية توظيف قانوني لمواطنين من قيرغيزستان، مما يعني أنّ احتمال تسلّل أعضاء تلك الجماعة ومؤيديها إلى الدول العربية والخليجية، قد يشكل خطراً داهماً على أمن الخليج والعرب، لأنّ ذلك سيسهّل اختراقها لسيادة تلك الدول التي تحظرها في الأصل، ويمكن الجماعة من التغلغل إيديولوجيا في الوطن العربي.
إذ يتخوّف المراقبون من تأثير تلك الجماعة على السعودية تحديداً، خصوصاً أنّ دول آسيا تعتبر أنّ جمهورية قيرغيزستان ترعى قيادات ذاك التنظيم بشكل سريّ، وتحظى أفكارها الدينية، بشعبية كبيرة بين المواطنين العاديين والمسؤولين رفيعي المستوى في قيرغيزستان.
يرى الخبراء أنّ السعودية بتعاونها مع قيرغيزستان وتقديم المساعدة لها تكون بذلك كم يقدّم العون لخصومه الإيديولوجيين، خصوصاً أنّ المملكة قد قامت في 10 كانون الأول (ديسمبر) 2021، بحظر "جماعة التبليغ"، معلنة أنّ التنظيم "خطر على المجتمع" و"أحد أبواب الإرهاب".