الرباط: أصدرت محكمة العدل الأوروبية اليوم الأربعاء حكمًا نهائيًا غير قابل للطعن يقضي برفض طلب جبهة البوليساريو الرامي إلى إلغاء اتفاقية التجارة الحرة في مجال منتجات الزراعة والصيد البحري بين المغرب والإتحاد الأوروبي، وبإلغاء حكم ابتدائي سابق صادر عن محكمة الاتحاد الأوروبي يقضي بالإلغاء الجزئي للاتفاق.
وتوصل المغرب إلى إبرام اتفاقية التجارة الحرة في مجال الزراعة والصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي في ديسمبر 2010، ودخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ في أكتوبر 2012. وقدمت جبهة البوليساريو الداعية إلى انفصال الصحراء عن المغرب طعنًا قضائيًا في قرار مجلس الاتحاد الأوروبي القاضي بتطبيق هذا الاتفاق أمام محكمة ابتدائية أوروبية، والتي أصدرت قرارًا بإلغائه جزئيًا في 10 دسمبر 2015. غير أن مجلس الاتحاد الأوروبي استأنف الحكم لدى محكمة العدل الأوروبية، مدعومًا من طرف المفوضية الأوروبية وحكومات فرنسا وبلجيكا وألمانيا وإسبانيا والبرتغال، بالإضافة إلى الكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية.
وشكلت مسألة توفر "البوليساريو" على الصفة والأهلية القانونية للقيام بمثل هذا الإجراء القضائي أبرز النقاط التي نوقشت خلال كل مراحل هذه القضية، والتي خلصت سواء في المرحلة الابتدائية أو الاستئنافية إلى عدم توفر هذه الأهلية.
كما احتد النقاش خلال أطوار المحاكمة حول موضوع الوضعية الخاصة للمحافظات الصحراوية اعتباراً لقرارات الأمم المتحدة، التي تعتبرها "منطقة نزاع تحت الإدارة المغربية"، ورأي محكمة العدل الدولية في أكتوبر 1975 الذي اعتبر أن الصحراء لم تكن أرضًا بلا سيد قبل استعمارها من طرف إسبانيا وكون قبائلها ترتبط بعلاقات البيعة مع سلطان المغرب، من دون أن تعترف صراحة بسيادة المغرب على هذه المنطقة، ومدى ملاءمة تطبيق مقتضيات الإتفاقيات المبرمة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب على هذه المحافظات مع القانون الدولي، خاصة معاهدة فيينا حول الاتفاقيات الدولية المبرمة سنة 1969.
وأبرزت محكمة العدل الأوروبية في نص قرارها العديد من "الأخطاء القانونية"، التي تضمنها قرار المحكمة الأوروبية الابتدائية القاضي بالإلغاء الجزئي لاتفاقية تحرير تجارة المنتجات الزراعية والصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي، استنادًا إلى عدم ملاءمة تطبيقها في المحافظات الصحراوية مع القانون الدولي وادعائها بوجود اتفاق غير معلن بين المغرب والمجلس الأوروبي والمفوضية في هذا المجال، وهو ما اعتبرت أنه يتناقض مع مبدأ حسن النية الذي يحكم المعاهدات الدولية.
وترى محكمة العدل الدولية أن اتفاقية تحرير المبادلات في مجال منتجات الزراعة والصيد البحري هي امتداد لمعاهدة الشراكة المتوسطية بين المغرب والاتحاد الأوروبي، كونها جاءت كتعديل لأربعة بنود من بين 94 بندًا في هذه المعاهدة ، وتعويض ثلاث اتفاقيات متفرعة عنها، وبالتالي فلا يمكن تأويل اتفاقية تحرير تجارة المنتجات الفلاحية إلا على أساس هذه المعاهدة الأولى، خصوصًا في ما يتعلق بمجال تطبيقها. وبخصوص تطبيق الاتفاقية على المحافظات الصحراوية، أشار الحكم إلى أن تطبيقها على بعض المنتجات الصحراوية يدخل في إطار "أمر الواقع".
وخلصت إلى أن أي تأويل لبنود اتفاقية تحرير المبادلات الفلاحية يجب أن يتطابق مع قواعد القانون الدولي التي تحكم العلاقات بين الإتحاد الأوروبي والمغرب، وأن جبهة البوليساريو لا يمكن اعتبارها، انطلاقًا من الحجج التي أوردتها، على أنها تتوفر على الأهلية القانونية للمطالبة بإلغاء قرار المجلس الأوروبي القاضي بتنفيذ الاتفاقية.
ورحب المغرب والمفوضية الأوروبية بحكم المحكمة في بيان مشترك صادر عن وزير الخارجية المغربي، صلاح الدين مزوار، والممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، نائبة رئيس المفوضية الأوروبية فيدريكا موغيريني.
وجاء في البيان أن الطرفين أخذا علماً بأن محكمة العدل للاتحاد الأوروبي أصدرت حكماً يقضي بعدم قبول طلب إلغاء الاتفاق المذكور الذي تقدمت به جبهة البوليساريو، وبأنها "ألغت حكم المحكمة الابتدائية للاتحاد الأوروبي الصادر بتاريخ 10 ديسمبر 2015، مما يؤيد موقف المجلس الأوروبي الذي طعن في الحكم الابتدائي بطلب من مجموع الدول الأعضاء". وأضاف البيان "ومن ثم، فإن قرار مجلس الاتحاد الأوروبي المتعلق بتنفيذ الاتفاق الفلاحي بين الاتحاد الأوروبي والمغرب يظل ساري المفعول. وسيدرس الطرفان كل الآثار الممكنة لقرار المحكمة وسيشتغلان بصفة مشتركة على كل القضايا المرتبطة بتطبيقه، تماشياً مع روح الشراكة المتميزة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب وفي إطار الآليات ذات الصلة.
واكد الطرفان على حيوية هذه الشراكة المتميزة ،وقالا أنهما يعتزمان العمل على نحو فعال لتطويرها في كل المجالات ذات الاهتمام المتبادل.
واعتبرت الرباط، في بيان صادر عن وزارة الخارجية المغربية، أن محكمة العدل الأوروبية "بحكمها القاضي برفض الطعن الذي تقدمت به جبهة البوليساريو، والذي اعتبر (غير مقبول)، تكون قد انسجمت مع باقي مؤسسات الاتحاد الأوروبي التي تعتبر أن هذا الكيان غير معني بالاتفاقيات المبرمة بين المغرب والاتحاد الأوروبي".
وأضاف البيان أن محكمة العدل الأوروبية قد صححت بهذا القرار الانحرافات القانونية، وعدلت التقديرات السياسية الخاطئة، وألغت الخلاصات التي لا أساس لها ، الصادرة عن محكمة الدرجة الأولى. وشدد البيان على أن "خلاصات المحكمة لا تشكك في قانونية وشرعية إبرام المغرب لاتفاقيات دولية تغطي منطقة الصحراء المغربية". كما أكد على أن المغرب مستعد لمواصلة النقاش مع شركائه الأوروبيين في إطار هياكل الشراكة التي تجمعه مع الاتحاد الأوروبي.
وفي باريس، أكدت وزارة الخارجية الفرنسية أن فرنسا " ستواصل العمل مع شركائها والاتحاد الأوروبي، من اجل تطوير شراكة نوعية بين الاتحاد الاوروبي والمغرب، بما فيها المجال الفلاحي". وجاء في تصريح وزارة الخارجية الفرنسية ان فرنسا تذكر بموقفها الثابث حول الصحراء، والمتمثل في "دعم البحث عن حل عادل ودائم ومقبول من الاطراف تحت رعاية الامم المتحدة، وطبقًا لقرارات مجلس الامن". وأضاف أن باريس تعتبر مخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب سنة 2007 "قاعدة جدية وذات مصداقية من اجل حل متفاوض بشأنه".