بُعيد استبعاد أسماء الأسد من المشهد على الساحة السورية، ونتيجة لعملية استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق ومقتل سبعة من القادة الميدانيين والأمنيين للحرس الثوري الإيراني في سورية ولبنان، ودخول الأخير بشكل غير مسبوق إلى عقر دار بشار الأسد في القصر الجمهوري ومكتب الأمن الوطني والحرس الجمهوري، واعتقال مجموعة من الضباط والمستشارة الإعلامية للأسد، لونه الشبل، والتي تمت تصفيتها بحبكة مخابراتية دراماتيكية لم يصدقها حتى الإيرانيون أنفسهم؛ بعد هذه الأحداث المتسارعة كلها، بات واضحًا لمن يتابع الشأن السوري فقدان العرب وروسيا أهم ركيزتين من ركائزهم داخل المطبخ الداخلي لنظام الأسد. فالعرب كانوا يعولون على أسماء الأسد وطاقمها الاقتصادي، وروسيا فقدت طفلتها المدللة في سورية وصاحبة الذراع القوية في المطبخ الداخلي لآل الأسد، وهذا شكل فراغًا كبيرًا حول الأسد أصبحت معالمه واضحة للعيان. استدعاء الأسد إلى موسكو مرتين خلال عشرة أيام له دلالاته الخاصة، كما أن نتائج هذه الزيارة أو ما تبعها من خطوات مهمة، أهمها غياب الأسد المفاجئ عن المشهد الداخلي والخارجي وغير المسبوق في تاريخ حكم آل الأسد، والذي تجلى بغياب الأسد عن مجلس الشعب في جلسته التشريعية الأولى في دورته الجديدة، بالرغم من استدراك الأمر بعد عدة أيام وظهور الأسد في جلسة استثنائية لمجلس الشعب منهكًا لا يحمل أي جديد سوى مصارحته لحاضنته أنه لا يملك شيئًا وغير قادر على تقديم أي شيء.
سبق ذلك تعيين المملكة العربية السعودية سفيرًا لها في دمشق من خلفية عسكرية وأمنية رفيعة المستوى، وهي خطوة لها دلالاتها، بانتظار ما ستفعله الدبلوماسية السعودية الهادئة. أمَّا روسيا، وهي الطرف الأقوى في المعادلة السورية بعد الحرس الثوري الإيراني، وبفقدان لونه الشبل وطاقمها وانشغالها في أوكرانيا، تركت فراغًا خطيرًا على بشار الأسد وعلى المصالح الروسية في سورية. ولهذا كله، كان لا بدَّ من تعبئة الفراغ العسكري والأمني والاقتصادي الذي خلفه إبعاد أسماء الأسد وقتل لونه الشبل وتحجيم دور روسيا بشكل ملحوظ في سورية. وتحسبًا من فرض الحرس الثوري الإيراني سيطرته الكاملة على الدولة السورية، قام الروس بالاتصال بالدولة التركية وطلبوا منها إعادة العلاقات بينها وبين بشار الأسد بالسرعة القصوى. ولهذا وجدنا التصريحات والرسائل المتسارعة وغير المسبوقة للمسؤولين الأتراك، وعلى رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته هاكان فيدان، الموجهة للأسد، والتي وصلت إلى درجة دعوة الأسد لزيارة أنقرة وتسوية الخلافات العالقة بين البلدين، إلا أن تجاوب الأسد كان مفاجئًا للروس وللأتراك، ومخيبًا لآمال الروس، خاصة أن الأسد حاول أن يضع شروطًا تعجيزية لا يستطيع الأتراك تنفيذها على الأقل في هذه المرحلة. وأعتقد أن قرار الأسد هذا لم يكن مستقلًا، بل فُرض عليه فرضًا من قبل حلفائه الإيرانيين خوفًا من دور ما للأتراك قد يقوض، أو على الأقل يُضعف، الدور الإيراني في سورية، ومن الممكن من خلال ذلك إضعاف المشروع الإيراني في المنطقة أو إنهائه، وهذا ما تخشاه إيران ومن يشغلها.
إقرأ أيضاً: هل يتجه العالم إلى حرب عالمية ثالثة؟
في ظل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها بشار الأسد ووقوعه بين مطارق الدول الإقليمية والدولية وإسرائيل وسندان الحرس الثوري الإيراني والحالة الاقتصادية للبلاد وانقسام مرؤوسيه على مختلف المستويات بين ولائهم لروسيا أو ولائهم لإيران، والأهم من ذلك كله تمكن إيران من مفاصل الدولة السورية، خاصة العسكرية والأمنية والاقتصادية وحتى الاجتماعية، من هنا أعتقد جازمًا أن الأسد في مأزق قد لا ينجو منه شخصيًا، ومن المتوقع، وحسب الكثير من المعطيات من داخل النظام، أن الأسابيع والأشهر القادمة حبلى بالأحداث الدراماتيكية والمفاجئة، وعلى الأغلب لن تكون هذه المفاجآت لصالح الشعب السوري بالمطلق. ومن المرجح أن تقوم إيران بتكريس سيطرتها وإحكام قبضتها على ما تبقى من الدولة السورية، وليس مستبعدًا حدوث انقلاب أبيض يطيح بالأسد ومن حوله، وتعيين رئيس إيراني الهوى أو خلق فوضى قد تستمر إلى عقود.
إقرأ أيضاً: قراءة متأنية في الضربة الإسرائيلية الأخيرة لإيران
وهنا لا بدَّ من طرح العديد من الأسئلة التي قد تراود أذهان المتابعين للقضية السورية والمنطقة والعالم، ويمكن أن يكون السؤال الأول: هل ستسمح أميركا وإسرائيل لإيران أن تتمكن من الدولة السورية بشكل كامل؟ وأعتقد أن جواب هذا السؤال مرتبط بالمشروع الأميركي الإسرائيلي في المنطقة والذي يتبناه الديمقراطيون في الإدارة الأميركية والمتمثل في حكم الإسلام السياسي بشقيه السني المتمثل بالإخوان المسلمين والشيعي المتمثل بملالي طهران شرق المتوسط وشمال إفريقيا. وهل يمكن أن تتخلى أميركا في حال فوز ترامب في الانتخابات الأميركية عن الإسلام السياسي في المنطقة؟ وأعتقد أن هذا سيقلب موازين القوى لصالح المنطقة والعالم والعرب والسوريين خاصة. والسؤال الآخر: هل ستقبل روسيا بعد جهودها العسكرية الضخمة في الحفاظ على حكم آل الأسد وتواجدها في سورية منذ عقود بالتخلي عن آخر قاعدة لها في المياه الدافئة على المتوسط؟ وأعتقد هنا ربما ستقبل روسيا مرغمة في حال خسرت حربها في أوكرانيا، وإلا يمكن أن تقوم روسيا بإنشاء تحالف جديد مع أطراف تلعب دورًا تخريبيًا للمشروع الإيراني في سورية والمنطقة.
إقرأ أيضاً: أميركا والصين وحرب الجيل الخامس
وفق هذه المعادلات المعقدة كلها، لا بدَّ من الاعتراف أن سورية بوجود الأسد أو عدم وجوده، وهذا أفضل للجميع، كانت وما تزال بيضة القبان في المعادلات الإقليمية والدولية بحكم موقعها الجغرافي الملاصق للكيان الصهيوني من جهة ولكونها عقدة اتصال جغرافية بين جميع المشاريع الاقتصادية المطروحة في مستقبل المنطقة.