: آخر تحديث

أزمة حكومة إقليم كردستان

79
85
64

قبل إقرار موازنة الدولة العراقية وحين إشتدت المناقشات والمساجلات داخل اللجنة المالية بمجلس النواب العراقي، أصدرت رئاسة حكومة إقليم كردستان بلاغا صارما أكدت فيه: أنها لن تقبل بأي مساس بحقوقها في الموازنة، وأنها سوف ترفض الإلتزام بأي قرار ينتقص من صلاحيات حكومة الإقليم. لكن بعد أن أقرت الموازنة في البرلمان العراقي وتحولت الآن إلى رئاسة الجمهورية للمصادقة النهائية عليها، لم يصدر عن حكومة الإقليم أي رد فعل رافض لتلك الميزانية التي تعد أكبر ضربة تاريخية وجهت لسلطة إقليم كردستان منذ نشوئه عام 1992 ولحد اليوم. هناك عدة أسباب لصمت حكومة الإقليم تجاه هذا التطور الخطير في العلاقة مع بغداد أهمها هو وقف تصدير النفط الكردي بقرار من المحكمة الاتحادية وكذلك صدور قرار آخر من هذه المحكمة بعدم دستورية تمديد ولاية برلمان كردستان ما أدى إلى تحويل رئاسة الإقليم والحكومة إلى سلطة تصريف الأعمال فحسب.

أما قانون الموازنة الاتحادية الذي سيسري لثلاث سنوات قادمة فقد زاد من الطين بلة، حيث أن مواد هذا القانون صادرت حق سلطة الإقليم من التصرف ولو بدولار واحد من عوائد النفط والرسوم الجمركية والضرائب، حيث أخضعها القانون لرقابة صارمة من قبل ديوان الرقابة الاتحادية. والقشة التي قصمت ظهر البعير هي المادة التي تجيز لمحافظات كردستان ويقصد هنا تحديدا (محافظة السليمانية) بالانفصال المالي عن حكومة الإقليم في حال عدم دفع مستحقاتها من رواتب الموظفين والخدمات مما ينذر بتقسيم الحكومة الحالية إلى إدارتين منفصلتين مثلما كان ألأمر قبل المصالحة بين الحزبين الحاكمين (الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني) وتشكيل الحكومة الموحدة عام 2005.

إن الموازنة الحالية كانت ضربة قاسية وموجعة لسلطة حكومة الإقليم بقيادة حزب مسعود البارزاني. ومما لاشك فيه أنه يبدو واضحا بأن القوى السياسية العراقية مجتمعة (السنة والشيعة) صاغوا وصادقوا على هذه الموازنة بروح عنصرية حاقدة في مسعى منهم لتحجيم سلطة الإقليم على الرغم من أن الدستور العراقي يقر الاعتراف الكامل بكيان الإقليم. ولا ندري كيف يمكن إدارة هذا الكيان الدستوري بتجريده من أية صلاحيات أو عوائد مالية؟!.

هناك بعض الأصوات النشاز التي تنادي بعدم الاستسلام لهذا الوضع رافعين شعار (الموت جوعا ولا الرضوخ للعراق)، سبقتها تصريحات وتهديدات نارية من مسؤولي الاقليم ضد الانتقاص من الصلاحيات المالية، ولكن الأمر إنتهى الآن، فقد تحولت الضغوطات الشوفينية إلى قانون ملزم على الجميع ولا يمكن التراجع عنه، ولذلك فإن أي موقف أو رد فعل لن يكون لهما أي تأثير على تغيير الوضع.

لا بد أن أشير في هذا المجال إلى بعض السياسات والممارسات الخاطئة التي أقدمت عليها سلطة الإقليم في السنوات السابقة والتي أدت في نهاية المطاف إلى هذا الوضع المزري في مقدمتها حالة الغرور والعنجهية والسياسات الصبيانية غير المسؤولة التي إنتهجتها حكومة الإقليم في تعاملها مع بغداد. فإعتماد سياسة تصدير النفط الكردي بشكل مستقل عن بغداد كان خرقا واضحا لا لبس فيه لنص دستوري والذي يشير إلى أن النفط ملك للشعب العراقي. هناك بعض الحجج غير الموضوعية تتقدم بها سلطات الإقليم منها أن الحكومة العراقية في عهد نوري المالكي قطعت حصة كردستان من ميزانية الدولة، ولكن لا أحد من مسؤولي الإقليم يعترف بأن قطع الميزانية كان سببه الأساسي هو إستقلال الإقليم بسياسة النفط بمعزل عن بغداد. فكان من حق الحكومة الاتحادية قطع الميزانية ما دامت حكومة الإقليم تصدر نفطها دون دفع دولار واحد لبغداد. هذا بالاضافة إلى أن تلك السياسة النفطية الفاشلة أدت إلى إثراء عشرات الشركات الأجنبية عبر توقيع عقود المشاركة الفعلية بالعوائد فضلا عن إثراء عشرات الفاسدين الكبار وإستغلال عوائد النفط من قبل حكومة الاقليم لشراء ذمم بعض المسؤولين الأجانب الذين تقاطروا على الإقليم للإستفادة من ثروات النفط الكردي. مما أدى في النهاية إلى أن يكون الإقليم مديونا بمبلغ يفوق ثلاثين مليار دولار. وهذا يثير التساؤل حول ما إذا كان الإقليم باع النفط أم إشتراه حتى تتكلف الحكومة هذا العبء الكبير من الديون!. وطوال السنوات المنصرمة لم تسلم حكومة الإقليم دينارا واحدا من العوائد الجمركية والرسوم والضرائب إلى بغداد، ولم تسمح مطلقا لأي جهة رقابية بما فيها ديوان الرقابة الاتحادية بتدقيق سجلاتها، فبقيت هذه الموارد أيضا بدون شفافية.

أما فيما يتعلق بالوضع الداخلي، فإن سلطة الإقليم بما فيها رئاسة الإقليم ورئاسة الحكومة فشلتا تماما من تحقيق ولو الحد الأدنى من التفاهم والانسجام بين القوى السياسية المحلية، فما زالت الخلافات تعصف بالحزبين الحاكمين وتتجدد الحملات الاعلامية كل يوم وبشكل وصل إلى حد كسر العظم مما إنعكس على الأداء الكردي ببرلمان العراق ومزق صفوفهم ولم يكن هناك الحد الأدنى من التلاحم والتفاهم المشترك حول الحقوق الكردية التي ينبغي إستردادها من بغداد. وعلى الصعيد الشعبي تشير الأحصائيات المستقلة إلى أن أغلبية المواطنين مرتاحون من هذه التطورات ويرحبون بعودة رواتبهم إلى سلطة الحكومة الاتحادية.

في المحصلة يمكن القول بأن نتائج التطورات الأخيرة وخصوصا سلسلة قرارات المحكمة الاتحادية العليا التي لا تنتهي وقانون الموازنة الحالية أدت إلى تقليص سلطة حكومة إقليم كردستان وجعلتها حكومة مجردة من الصلاحيات وستظل خلال السنوات الثلاث القادمة تحت رحمة وزارة المالية الاتحادية وديوان رقابتها وهذا بحد ذاته يعني العودة رويدا رويدا إلى نقطة الصفر وتصغير كيان الإقليم الدستوري الذي أصبح بالفعل مهددا بالإنهيار التام. ولعل القادم أعظم حيث هناك ترقب لتشريع قانون النفط والغاز من قبل البرلمان العراقي الذي أعتقد بأنه سيطوي إلى الأبد صفحة تحكم الإقليم بموارده النفطية وهي عصب الاقتصاد والادارة في أية دولة بالعالم.

وهكذا جنت على نفسها براقش!!!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف