يمكن للمرأة أن تعيش في ظل رجل، لكن الرجل لا يميل للركون في ظلها. وها هي مذكرات داتشا ماريني تكشف لنا شيئاً من ذلك. عاشت المؤلفة عشرين عاماً رفيقة للروائي الإيطالي الشهير ألبيرتو مورافيا (1907ـ 1990). فلما أمسكت القلم وبدأت تكتب روايات، هرب منها إلى امرأة غيرها. وهي اليوم سيدة في الثامنة والثمانين. من رموز الأدب في بلدها، شاعرة وروائية ومخرجة ومؤلفة مسرحيات ومناضلة نسوية. شاركت مع بازوليني في كتابة سيناريو فيلم «ألف ليلة وليلة» وتحولت 12 من رواياتها إلى أفلام.
صدرت مذكراتها مترجمة إلى الفرنسية عن منشورات «بايو» في باريس. عنوانها «طفولة إيطالية في سجن ياباني». كتاب يرفع الحجاب عن مناطق معتمة كثيرة في حياتها. أبوها فولكو ماريني، عالم من علماء الأجناس، أقام مع أسرته في اليابان أواسط القرن الماضي. جرى اعتقاله مع أسرته ورفاقه خلال الحرب العالمية الثانية لأنه رفض تأييد موسوليني. يسرق حراس السجن طعام المعتقلين الذين صار اسمهم «علماء الجوع». تصف الابنة واقعة رهيبة يوم بتر أبوها إصبعه بالسكين احتجاجاً على حارس أهانه. والإصبع أضعف الإيمان. فقد كان شق الأحشاء بالسيف هو ميثاق شرف المقاتلين الساموراي الشجعان. فاجأتهم جرأته فمنحوه معزة أنقذهم حليبها من الموت.
تهمني هذه المذكرات لأنني تعرفت على داتشا ماريني في مدينة أصيلة المغربية، ذات صيف. جلسنا على دكة في البلدة القديمة وتبادلنا حديثاً طويلاً. صحافية في المقتبل تستمع إلى كاتبة مكللة بشهرتها. «سيدة الأدب الإيطالي». امرأتان في لحظة صفاء وثالثهما الشيطان مورافيا. زوجته الأولى، إلزا مورانتي كانت كاتبة معروفة أيضاً. تقول له في لحظات الخلاف: «أنت في لا وعيك تريد موتي». وكان يرد عليها: «لست مسؤولاً عما يدور في لاوعيي».
انتقل من إلزا إلى داتشا التي تصغره بثلاثة عقود. نشرت عنه كتاباً جميلاً بعنوان «الصغير ألبيرتو». عبارة عن حوارات مطولة عن فترة طفولته وصباه. تقول إنه كان من أكثر الصبيان خجلاً فأصبح من أجرأ الروائيين. حكى لها عن الشبق الكبير الذي يشعر به تجاه النساء. علاقته الأولى كانت مع ألمانية أحبها كثيراً. كانت في السادسة والثلاثين وهو في السابعة عشرة.
مع داتشا سافر مورافيا كثيراً، وبفضلها تآلف مع العرب. أخذته إلى المغرب حيث كانت تقيم شقيقتها زوجة الفنان المغربي محمد المليحي. التقى بمثقفين كثر في موسم أصيلة، وصارحهم بأنه مفتون بألف ليلة وليلة. لكن العلاقة مع الشريك تعقدت حين أصبحت داتشا كاتبة أيضاً. وهنا وقع ما هو متوقّع. انتقل قلبه إلى امرأة أخرى. وبعد أن عاشت ظلاً له قررت الاستقالة من وظيفة الظل. تبتسم وهي تتحدث عن الفراق. فالحياة لقاءات تصل إلى نهاياتها. لم تقل لي «خانني» أو «هجرني» بل «ذهب وتركني أتنزه مع كلبه أرانجو».