: آخر تحديث

«الإخوان» و«الانقلاب الديمقراطي»

5
4
4

ضياء رشوان

لسنوات طويلة ظلت جماعة الإخوان تشكل أحد أبرز التعقيدات في المشهد السياسي المصري والعربي وأحياناً في مناطق أخرى من العالم، منذ إعلان تأسيس الجماعة على يد حسن البنا على ضفاف قناة السويس بمحافظة الإسماعيلية عام 1928.

وبينما ظلت الجماعة ترفع شعار العمل الدعوي أكثر من ثمانية عقود، فقد أكدت تطوراتها الداخلية وتصرفاتها في مصر منذ انعقاد مؤتمرها الخامس عام 1938، أن هذه ليست هوية الجماعة الحقيقية والوحيدة، وأن هدفها السياسي الأساسي هو السعي للوصول لحكم مصر، وأن لديها تعدد في الأدوات والسبل للوصول إليه بما في هذا العنف والإرهاب، والذي أكدت تطورات السنوات الأخيرة أنه هو جوهر هويتها الحقيقية.

وقد أفاضت دراسات وأبحاث رصينة ومعتبرة، وشهادات ومذكرات منشورة لقيادات وأعضاء فيها، وتحقيقات وأحكام قضائية متعددة، في عرض وتحليل أدلة وبراهين ووثائق تؤكد كلها هذا الجوهر العنيف الحقيقي لجماعة الإخوان، عبر مراحل عدة سواء في العهد الملكي بمصر، أم في العهد الجمهوري بمختلف رؤسائه من الرئيس جمال عبد الناصر وحتى الرئيس حسني مبارك.

وقد أتت الأحداث السريعة المتلاحقة منذ ثورة 25 يناير 2011 في مصر، وحتى إزاحة الشعب المصري حكم الجماعة بثورته العظيمة في 30 يونيو 2013، لتؤكد بما لا يدع مجالاً للشك الجوهر العنيف والانقلابي للجماعة، التي ظلت ترتدي لعقود طويلة مسوح البراءة والعمل السلمي والدعوي.

ففي سباق حثيث مع الزمن، قفزت الجماعة منذ تخلي الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك عن حكم البلاد في 11 فبراير 2011، بصورة محمومة نحو الهدف الأعلى المؤجل لها منذ مؤتمرها الخامس، وهو الاستيلاء على حكم مصر.

واستطاع الإخوان استغلال الأوضاع الجديدة شديدة الاضطراب التي لحقت بمصر، الرسمية والشعبية، وأضافوا إليها مساحات أوسع من الاضطراب والفوضى، لكي ينتهي الأمر في يونيو 2012 بسيطرتهم على منصب رئاسة الدولة، لتكتمل هيمنتهم على الحكم في مصر، بعد حيازتهم على الأغلبية المطلقة لمجلسي البرلمان، الشعب والشورى خلال عام قبلها

. وبهذه الخطوة اكتملت «خطة التمكين» التي اكتشفتها أجهزة الأمن المصرية عام 1992. وهي التي كانت ترمي بحسب نصها إلى: «الاستعداد لتحمل مهام المستقبل وامتلاك القدرة على إدارة أمور الدولة، وذلك لن يتأتى بغير خطة شاملة تضع في حساباتها ضرورة تغلغل الجماعة في طبقات المجتمع الحيوية، وفي مؤسساته الفاعلة مع الالتزام باستراتيجية محددة في مواجهة قوى المجتمع الأخرى والتعامل مع قوى العالم الخارجي».

فقد قدرت الجماعة أن تلك كانت هي اللحظة التي طال انتظارها للقفز والاستيلاء على حكم مصر، بحسب تصورها بأنها استكملت خلال تاريخها الطويل «خطتها الشاملة للتغلغل في طبقات المجتمع الحيوية ومؤسساته الفاعلة» اللازمة لهذا، وزاد من غوايتها، قدراتها التنظيمية المتوارثة عبر هذا التاريخ على الحشد والحركة، والضعف الشديد الذي انتاب مختلف الأطياف السياسية المصرية بالمقارنة معها.

وفور تحقق الهيمنة الكاملة للجماعة على حكم مصر، بطريق «الانقلابي الديمقراطي»، الذي أوصلها له «صندوق الانتخاب» واعتراف العالم، ما وضع هذا «الانقلاب» الفعلي في صورة تطور «ديمقراطي» شكلاً، اندفعت الجماعة في العملية التي حلمت بها لعقود طويلة، وهي «أخونة» أجهزة الدولة وتشكيلات المجتمع. وبهذا اكتمل واتضح معنى «الانقلاب الديمقراطي».

وهذا التعبير يعني ببساطة استيلاء الجماعة على الحكم في ظل حالة اضطراب وفوضى عارمة عبر «صندوق الانتخاب»، ثم التفرغ بعدها للتغيير الشامل لمكونات الحكم والدولة والمجتمع بقوة السلطة لصالح رؤيتها وتنظيمها وأعضائها، والإلغاء التام بعد هذا لصندوق الانتخاب الذي وصلت به إلى الحكم، فتصبح وحدها المهيمنة على مقادير الحكم وشؤون الدولة والمجتمع.

وليس هناك من شك أن ما شهدته ألمانيا عام 1933 من وصول الحزب النازي بقيادة أدولف هتلر للحكم عبر «صندوق الانتخاب»، كان البداية لأبرز حكم استبدادي شهده العالم الحديث، بما تبعه من حرب عالمية راح ضحيتها عشرات الملايين من البشر.

ولم يكن أمام المصريين من سبيل حينها للدفاع عن هوية بلدهم التاريخية المركبة، وللحفاظ على عقود طويلة من نضالهم الوطني لحماية دولتهم الحديثة منذ تأسيسها عام 1805 مع محمد علي باشا، سوى خروجهم التاريخي بعشرات الملايين لإسقاط حكم الإخوان في ثورة 30 يونيو 2013 العظيمة، بعد عام واحد فقط لهم من استيلائهم على رأس حكم مصر، وهو ما غير وللأبد تاريخ الجماعة الطويل ومسارات مستقبلها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد