تتصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان بوتيرة تكشف أن تل أبيب لا تتحرك في إطار ردود أمنية ظرفية، بل وفق استراتيجية عدائية تهدف إلى استنزاف لبنان وإرباك توازنه الداخلي، وخلق واقع ميداني متوتر يدفع المنطقة بأكملها نحو حالة دائمة من عدم الاستقرار.. القصف المتكرر على القرى الجنوبية، واستهداف البنى المدنية، وتوسيع نطاق الضربات، كلها مؤشرات على أن إسرائيل اختارت تحويل الحدود ورقة ضغط سياسي، بعيدًا عن أي التزام فعلي بالقرارات الدولية أو أحكام الخط الأزرق.
في هذا المشهد المتوتر، جاء تصريح رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام ليقدم القراءة الرسمية الأكثر وضوحًا لما يجري. قال سلام: إن لبنان يواجه «حرب استنزاف»، مشددًا على أن الاعتداءات الإسرائيلية لا تتصل بالأمن المباشر بقدر ما ترتبط برغبة إسرائيلية في فرض وقائع جديدة على الأرض. موقف سلام يعبر عن إدراك لبناني بأن ما تتعرض له البلاد يتجاوز الاشتباك الحدودي، ليصبح محاولة ممنهجة لإضعاف الدولة، ودفعها إلى حافة الإنهاك السياسي والأمني.
في المقابل، يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تقديم خطاب عدائي متكرر، يربط فيه الاعتداءات على لبنان بما يسميه «حق الدفاع عن النفس»، في الوقت الذي تشير فيه الوقائع إلى أنه يستخدم الساحات الخارجية لتصريف أزماته الداخلية. نتنياهو المأزوم سياسيًا، يتنقل من ملف إلى آخر كلما ضاق عليه الهامش داخل إسرائيل، في محاولة لإبقاء الشرق الأوسط في حالة توتر مفتوح تمنحه قدرة أكبر على المناورة، وهذا القلق الإقليمي ترجمته بوضوح جينين هينيس-بلاسخارت، منسقة الأمم المتحدة الخاصة في لبنان، حين حذرت من أن «شبح العودة إلى الأعمال العدائية لا يزال قائمًا» في الجنوب، داعية إلى تكثيف الحوار لتفادي الانزلاق نحو مواجهة واسعة، تحذير بلاسخارت يعكس خشية أممية من دينامية تصعيد لا تظهر إسرائيل أي نية لوقفها، ومن غياب الإرادة الدولية لفرض قواعد واضحة تمنع تدهور الوضع أكثر.
بهذه المعادلة، يصبح لبنان أمام واقع بالغ التعقيد؛ دولة تستهدف بشكل متكرر، وقوة احتلال لا تريد التهدئة، ومحاولات إسرائيلية لهندسة خرائط المنطقة بالنار بدلا عن السياسة، الاعتداءات الإسرائيلية لم تعد حدثًا عابرًا، بل جزءًا من سياسة عدائية تمارسها حكومة تبحث عن تثبيت وجودها على حساب استقرار الإقليم، وفي ظل هذا المشهد تبدو الحاجة ملحة لموقف دولي صريح يعيد الاعتداءات إلى حجمها الحقيقي، خرق خطير لسيادة دولة، وتهديد مباشر للأمن الإقليمي، ومسار لا يمكن السماح بتحوله قاعدة ثابتة في المنطقة.

