: آخر تحديث

المسرح الكويتي من القمة إلى السفح

0
0
0

لم يكن أحد يشك وحتى إلى ما قبل عقد من الزمن بأن المسرح الكويتي قد تفوق على أقرانه في العالم العربي، حتى أن هناك من أكد أن تفوقه انطلق من أن صناعته قد ارتكزت على مبادئ درامية قوية راسخة، لم يحسن كثير من العرب ضبطها، فكانت وفق ذلك عند حسن الظن، من حيث قدرتها على مناقشة أعتى القضايا المجتمعية والسياسية العربية والمحلية مع انتزاع الضحكة المعبرة بجسارة الطرح وصدق الموقف، بعيداً عن التهريج والاستخفاف بالآخر.

في الكويت كان كل شيء حاضراً لأجل دعم الإبداع المسرحي المتميز بخصائصه المتفردة منطلقين من ضرورة الحفاظ على النقاء الثقافي، ومن هنا بشرتنا الكويت منذ السبعينات الميلادية بميلاد شكل مسرحي عربي مغاير للمسرح المألوف ليكون لنا في شرق الوطن العربي مدرسة مسرحية متفوقة ذات ركائز ثابتة، بل ومتفوقة، مما جعله ذا رصيد جماهيري عربي كبير.

الأمر استمر فلم يتأثر المسرح الكويتي من عواقب الاحتلال العراقي فقد عرفت الكويت بعد التحرير مطلع التسعينات الميلادية مرحلة إعادة بناء المجال الثقافي وكان المسرح أهمها وقاد المتفوقون عبدالرضا والفرج والنفيسي الحدث وزادوا بقيمة مسرحية عالية، بل إنها اختارت لنفسها هدفاً سامياً، قبل وبعد التحرير فهي التي أجبرت المشاهد العربي في الثمانينات أن يتابع "باي باي لندن" وبعد التحرير "سيف العرب" وكثير من مسرحيات على نسقها تلك التي عرّت كثيراً من المواقف السياسية والعادات المجتمعية لكل العرب بقالب كوميدي راق لن ينساه المشاهدون.

لكن ماذا يحدث الآن لصرح المسرحي الكويتي العالي.. هل تراجع؟! أم هل فقد قيمته؟!.. شخصياً أعتقد ذلك.. بعدما استسلم لرواد الإضحاك المبني على الابتذال والكلمات البذيئة فقد تحول كل شيء فيه من طريقة الكتابة المسرحية وحتى الإخراج والممثلون إلى شيء آخر، فالحبكة ضعيفة والأحداث متداخلة، والهدف هو التعليق، أو كما يقول أهل نجد (الذب)، وباختصار نقول إن المسرح الكويتي كان سابقاً يركز على جوانب اجتماعية وأخلاقية وسياسية.. ومزجها بقالب كوميدي لافت، لكنها الآن ومع الجيل الحالي بدأت بتبديل الأهداف والمبادئ وركزت على الابتذال والإسقاطات في حوارات بلا معنى أو هدف.. فقط كل يمارس التعليق الفارغ وتشويه صورة الآخر جسداً وفكراً للإضحاك فقط؟!

لن أفصل في الشأن الكويتي الذي أعياه المتطفلون بمسارحهم ومن شابههم سقوطاً وتهريجاً حد عدم احترام المشاهد عبر مشاهد لا تحضر حتى في النكت الوقتية العابرة فلا ترابط في أحداث أعمالهم ولا معنى لتفصيلاته.. كل ما في الأمر تجميع اسكتشات الهدف منها انتزاع الضحكة قسراً من المشاهد وحتى الأخيرة لم تتسن لهم، وكأنها "تنكيت" مرتجل وليس مشاهد تم العمل عليها طويلاً.

الآن هل حق لنا أن نعلن عن سقوط المسرح الكويتي الراقي الهادف الصادق الذي عرفناه لعقود طويلة، بتحوله إلى التهريج و"النكت البايخة" عبر الشخصيات و"الكركترات" "السامجة" المكررة "حد الملل"، نتحسر على زمن عبدالرضا والنفيسي ومن عاصرهم.. فهل هرم المسرح الكويتي بانضوائه تحت آلية الربح السريع وممثلي الوجبات السريعة.

المهم في القول نحن المفتونون بالمسرح الكويتي الراقي لن نقبل بأن يظهر أحدهم ليقول لنا بأن الزمن تغير والمشاهد قد تبدل.. لأن هذا ليس عذرا في انحدار المستوى إلى هذا الحد. ذلك أن الثقافة الجديدة التي نطمح إليها ومنها المسرح هي ثقافة متجذرة في خليجنا، ومنفتحة على كل زمان ومكان.. والدراما حين تتخلى عن أساسياتها ومصداقيتها، فحتماً سوف تفقد أهميتها.. والمسرح الذي نطمح إليه هو الذي يزيد من رصيدنا الفكري والترفيهي.. لا أن يأخذه إلى آفاق من التفاهة تبلغ به الانحطاط اللفظي والتعاملي!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد