يعود منشأ فكرة القيادة على اليسار لعصور قديمة، ولأسباب عملية بالأساس، فمعظم البشر يستخدمون اليد اليمنى، لذا كان الفارس يستخدم جهة اليسار ليُبقي اليد اليمنى لاستخدام السيف أو الرمح ضد من يأتيه من على يمينه. وكان الحوذي يستخدم الجانب الأيسر من الطريق لتبقى يمناه حرة لاستخدام السوط، حتى لا يمس المشاة، عند تأرجحه، من اليمين وإلى الشمال وبالعكس. ومع الوقت ترسخ خط القيادة على الجانب الأيسر من الطريق بصدور القانون البريطاني عام 1835.
بدأ تحول القيادة إلى الجانب الأيمن بشكل رئيسي في فرنسا والولايات المتحدة في أواخر القرن 18. ففي الأولى كان سائقو العربات يجلسون على الحصان الخلفي الأيسر للتحكم في الفرق الكبيرة، مع إبقاء أيديهم اليمنى حرة للسوط، وهذا جعل القيادة على الجانب الأيمن أكثر عملية.
وفي فرنسا الثورية، أصبحت القيادة على الجانب الأيمن رمزًا للتخلي عن التقليد الأرستقراطي القديم، حيث كان النبلاء يركبون على اليسار، ثم انتشرت الطريقة في جميع أنحاء أوروبا، على يد جيوش نابليون، التي فرضت الأمر في مناطق سيطرتها. وهكذا نرى أن التغيير كان نتيجة لاحتياجات عملية، من وجهة نظر سائق العربات، ورمزية، بسبب تداعيات الثورة الفرنسية، وأخيرا بسبب أوامر عسكرية صادرة من نابليون.
أما أول إشارة مرور تم تركيبها، وكانت ضوئية تعمل بالغاز، فقد كانت في لندن عام 1868 أمام مبنى البرلمان البريطاني، ومن تصميم مهندس السكك الحديدية جون بيك نايت، وكانت تعتمد على أذرع متحركة تحمل اللونين الأحمر والأخضر، وكانت تحتاج لمن يتحكم بها يدوياً. وفي عام 1914، تم تركيب أول نظام إشارة مرور كهربائي في كليفلاند بولاية أوهايو الأمريكية. كان النظام يتكون من أضواء حمراء وخضراء تُغيّر بواسطة مفتاح كهربائي. وفي عام 1920، أضاف ضابط الشرطة الأمريكي ويليام بوتس اللون الأصفر إلى إشارة المرور، ليكون تحذيراً بين الأحمر والأخضر، مما جعل النظام ثلاثي الألوان، وأسهم في تحسين السلامة المرورية.
أما بالنسبة للوحات تسجيل السيارات فقد كانت فرنسا السباقة عام 1893، وتبعتها أوروبا والعالم. كما يشير التاريخ القديم إلى أن قدماء الرومان استخدموا أعمدة حجرية تدل على الاتجاهات والمسافات، ولكن هذه لم تكن علامات مرور كما نعرفها اليوم، بل مجرد إشارات بسيطة على الطرق. ومع تقدم استعمال المركبات، ظهرت الحاجة إلى علامات بصرية تنظم حركتها، وأولاها أنظمة الإشارات الضوئية، لتتبعها علامات المرور التي تحمل رسوماً ورموزاً واضحة مثل «ممنوع الوقوف»، التي طورت في أوائل القرن الـ20 مع انتشار السيارات في أوروبا وأمريكا، حيث بدأ استخدام رموز موحدة لتسهيل الفهم السريع من السائقين.
وفي أمريكا، خلال عشرينيات القرن العشرين، اشتُهر استخدام رموز وأشكال بسيطة مثل حرف «P» مع خط أحمر مائل للدلالة على «ممنوع الوقوف»، مع اعتماد شكل مثلث أو دائرة للحروف، وهذه الرموز جاءت لتوحيد قواعد المرور وتسهيل تطبيقها. ومع تطور المعايير الدولية، وخاصة مع إصدارات منظمة الطرق السريعة الفدرالية الأمريكية في 1935، ومع اعتماد نظام لافتات المرور الرمزية المبسطة، توسعت العلامات وتجزأت إلى فئات مثل التحذيرية، والتنظيمية، والإرشادية، وعموما هي ليست من اختراع طرف محدد، بل نتيجة تطور تقني وتنظيمي شاركت فيه جهات عدة.
الطريف أن العالم أجمع، بكل تنوعه اللغوي والثقافي، سواء كان في مجاهل أفريقيا، او قرى الهند والصين النائية، يستطيع قراءة هذه العلامات بسهولة، لكن يستعصى عليه فهم معاني كتبه المقدسة!
أحمد الصراف

