: آخر تحديث

بولاق: أول متحف في أفريقيا والشرق الأوسط

2
2
1

في عام 1858 وافق الخديو سعيد باشا والي مصر، على تأسيس أول متحف للآثار المصرية القديمة، وذلك بعد إلحاح وضغط من أوغست مارييت باشا أول مدير لمصلحة الآثار المصرية التي تأسست في العام نفسه. تم منح مارييت باشا مخزناً ضخماً على شاطئ النيل عند منطقة بولاق، كان في الأساس ملكاً للشركة الفرنسية للمراكب البخارية، وذلك ليكون مقراً للمتحف بل لإدارة مصلحة الآثار المصرية. وبعد سنوات من العمل يتمكن مارييت باشا من افتتاح أول متحف للآثار المصرية ليس في أفريقيا فقط بل في الشرق الأوسط كله، وكان ذلك الحدث العظيم في عام 1863. يُسمّى المتحف باسم متحف بولاق، وهي الكلمة الفرنسية التي تعني «البحيرة الجميلة». ويسبق متحف بولاق متحف إسطنبول للآثار الذي تأسس في عام 1869، وتم افتتاحه في 1891.

كانت مجموعة المعروضات الرئيسية في متحف بولاق هي من نتاج حفائر مارييت باشا نفسه في سقارة خصوصاً كشفه العظيم عن مدافن العجل أبيس التي يُطلق عليها مقابر السرابيوم، إلى جانب اكتشافاته الأثرية في مقابر النبلاء بسقارة. على أن أهم مجموعة أثرية كانت في هذا المتحف هو ما يعرف بكنز الملكة إياح حوتب (القمر راضي) الثانية، التي عاشت في أواخر الأسرة السابعة عشرة وبداية الأسرة الثامنة عشرة. بمعنى أنها إحدى ملكات ما يُعرف بعصر التحرير من الاحتلال الهكسوسي. تم الكشف عن كنز الملكة إياح حوتب -للأسف الشديد- من خلال بعض العمال في منطقة تُسمّى «دراع أبو النجا» بالبر الغربي للأقصر. هؤلاء العمال كانوا يقومون بأعمال حفر غير منظمة، وبعدما تم العثور على دفنة الملك علم والي قنا بالأمر، وكانت الأقصر تقع في نطاق سلطته، توجه على الفور للاستحواذ على الكنز المكتشف. وبالفعل قام بالقبض على العمال وأخذ الكنز الذي كان يحتوي على حلي الملكة من الذهب الخالص والأحجار الكريمة، بالإضافة إلى تابوت الملكة من الخشب المذهب والمشكل على الهيئة الآدمية، ويُعدّ إلى اليوم إحدى روائع ما يُعرف باسم «التوابيت الريشية» من عصر الأسرة السابعة عشرة، لكن ما حدث بعد أن استحوذ هذا الوالي الشركسي على الكنز كان جريمة بكل معاني الكلمة، حيث قام بفتح التابوت واستخرج مومياء الملكة، وفك اللفائف الكتانية لتجريد المومياء من الحلي والتمائم. وللأسف حرق المومياء واللفائف، وتخلص منها! وكان أوغست مارييت باشا قد علم بالحادثة فتوجه على الفور إلى الصعيد واستطاع إنقاذ جزء من كنز إياح حوتب الثانية، وعرضه في أول متحف مصري للآثار في أفريقيا والشرق الأوسط وهو متحف بولاق.

سنوات قليلة على افتتاح متحف بولاق وتحديداً في 1878، وتقع الكارثة التي لم يتوقعها أحد! يفيض نهر النيل ويغرق المتحف بالكامل إلى أن أصبح يُرى بوصفه مبنى عائماً وسط بحر من المياه العذبة. يستطيع العاملون في المتحف إنقاذ جزء كبير من المعروضات الأثرية، ويتم إرسالها إلى أحد قصور إسماعيل باشا ابن محمد علي، وكان القصر يقع في المنطقة التي تقوم عليها الآن حديقة الحيوان في الجيزة.

تظل آثار متحف بولاق معروضة في قصر إسماعيل باشا إلى أن تتم الموافقة على إنشاء المتحف المصري في عام 1898. ويستغرق بناء المتحف أربع سنوات، بعدها يتم افتتاحه للجمهور في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 1902، وهو أيضاً أول متحف للآثار يتم بناؤه من البداية ليخدم بوصفه متحفاً، بمعنى أنه أول مبنى يتم بناؤه بناء على تخطيط مسبق، لكي يخدم الغرض المبني من أجله وهو متحف لعرض الآثار المصرية القديمة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد