خالد بن حمد المالك
ما يجري في السودان من حرب عبثية أمر غير مقبول، ولا مبرر لها، فقد هجَّرت وقتَّلت وهدَّمت ما لا يُمكن تفسيره، وتُهدِّد الآن بتقسيم السودان، وجرِّه إلى حروب مُستدامة، تأكل الأخضر واليابس، في جرائم مكتملة الأوصاف.
* *
عامان ونصف العام مرّت، والسودان في حرب طاحنة، وتمويل خارجي لاستمرارها، ورفض لكل الوساطات الخيِّرة لإيقافها، والإصرار على عدم القبول بالحلول السلمية، وأن الخيار لحسم الصراع لن يتم إلا في الميدان.
* *
ومنذ انقلاب مجموعة الدعم السريع على النظام، وتشكيل حكومة موازية، مدعومة من أعداء السودان، ومثل ذلك الدعم العسكري والمالي الذي يتلقاه الدعم السريع من الخارج، والسودان في حال غليان، وقتل مُمنهج، وجوع، وفقدان أمن، وضياع.
* *
سلوك الدعم السريع في التعاطي مع الحرب دائماً ما يتسم بالتناقض، والمناورات، إيهاماً منه بأنه مع إيقاف الحرب، ومع الهدنة التي تسبقها، بينما هو يفعل غير ذلك، يمارس القصف، ويرفع من سقف اعتداءاته، وهذا ما أطال أمد الحرب، وحولها إلى جحيم ضد المواطنين.
* *
فقد أعلن الدعم السريع من طرف واحد على أنه اتخذ قراراً بالهدنة، ليفتح بذلك حواراً نحو إيقاف الحرب، أو هكذا أراد أن يضلِّل، ويكسب التعاطف العالمي، فيما هو من أشعل الحرب، وهو من يواصل الآن القتال بشراسة بالتزامن مع إعلانه عن هدنة مخادعة، وغير صحيحة.
* *
ولم تتأخر الحكومة السودانية في كشف زيف ادّعاء قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) بشأن الهدنة الإنسانية التي أعلن عنها، فقد رأت فيها مناورة سياسية مكشوفة، وتتناقض بشكل صارخ مع الواقع المرير الذي ترتكبه قواته على الأرض.
* *
وقال وزير الثقافة والإعلام السوداني خالد الإعيسر إن قوات الدعم السريع تجرَّدت عن كل قيمة إنسانية، فهي من تُحاصر المدنيين العُزَّل، وهي من تُجوِّعهم، وهي من تقصفهم بالطائرات المسيَّرة في مدن عدة.
* *
ويضيف وزير الثقافة والإعلام في الحكومة السودانية، أن قوات الدعم السريع تقوم بتعليق المواطنين على الأشجار، ودفن آخرين أحياء، وخاصة ما ارتكبته من جرائم مُروِّعة في مدينتي الفاشر وبارا، معتبراً أن الهدنة المزعومة لا يمكن أن تُؤخذ على محمل الجد أو الصدق.
* *
إن هدنة أحادية الجانب من الدعم السريع لوقف الأعمال القتالية مدتها ثلاثة شهور، يوقف فيها القتال، والأعمال العدائية، تبدو بحسب رأي الحكومة السودانية محاولة جديدة لخداع المجتمع الدولي، وتلميع صورة شوَّهتها الحقائق الدامغة بجرائم قوات الدعم السريع، وبانتهاكاتها المستمرة.
* *
وجاء موقف الحكومة السودانية المشكِّك في صدق توجه الدعم السريع نحو الهدنة اعتماداً على التجارب السابقة، خاصة ما تم التوصل إليه في اتفاق جدة، حيث التزم الجيش السوداني بما تم التوقيع عليه، في حين استغلت قوات الدعم السريع تلك الهدنة لتمرير إمدادات لقواتها من السلاح والعتاد، وتحقيق مكاسب عسكرية.
* *
وبرأينا فإن أي هدنة تكون ملزمة للطرفين، ويوقف فيها القتال، ويبدأ الحوار، وصولاً إلى إنهاء الحرب، وعودة الحياة في السودان إلى طبيعتها، ومحاسبة المجرمين، ومن كان سبباً فيها، هو مطلب العقلاء في السودان، وخارج السودان، ومن غير المقبول إطلاق مبادرات للتهدئة لا تكون صادقة، ويكون هدفها كسب تعاطف المجتمع الدولي.
* *
وإن إحلال السلام في السودان، يبدأ أولاً من منع تدفق السلاح والمال من الخارج، ومحاسبة الدول الضالعة في دعم هذه الحرب، واعتبار دعمها عملاً ضد الإنسانية، وضد مصلحة السودان والسودانيين، خاصة حين يتجه الدعم إلى مجموعات مسلحة خارج الحكومة الشرعية.

