: آخر تحديث
في اليوم الدولي للتضامن مع شعب لا ينسى:

فلسطين في قلب العالم

0
0
0

في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) من كل عام، يلتفت العالم بأسره نحو فلسطين، يرفع صوته تضامنًا مع شعب لم يعرف الراحة بعد، شعب يحمل في ذاكرته آلام النكبة وأحلام العودة، ويحتفظ في قلبه بوهج الحرية الذي لا ينطفئ. هذا اليوم، اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، ليس مجرد تاريخ في التقويم، بل تذكرة حيّة لتاريخ لم يُغلق بعد، وصرخة مشتركة تطالب بالعدالة والكرامة، وتستحضر معاناة ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال أو في الشتات، وتدعو المجتمع الدولي لتجديد التزامه بحقوقهم المشروعة.

اختير هذا التاريخ تحديدًا لأنه يوافق الذكرى التاريخية لاعتماد الأمم المتحدة قرار التقسيم رقم 181 (II) في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947، الذي رسم خريطة دولتين على أرض فلسطين، عربية ويهودية، مع جعل القدس منطقة دولية تحت إشراف عالمي. لكن من بين الدولتين الموعودتين، لم تُنشأ سوى دولة واحدة، بينما ظل الحلم الفلسطيني معلّقًا، وترك هذا الواقع ملايين الفلسطينيين بلا وطن، أو تحت احتلال دائم، أو لاجئين في الشتات، ليظل هذا الواقع قائمًا حتى اليوم، شاهدًا على التحديات المستمرة التي يواجهها الشعب الفلسطيني.

في عام 1977، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 32/40 B، الذي خصّص هذا اليوم كيوم سنوي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وبدأ الاحتفال الرسمي منذ العام 1978. الهدف كان واضحًا: تذكير العالم بأن القضية الفلسطينية لم تُحسم بعد، وأن الفلسطينيين ما زالوا يطالبون بحقوقهم التي اعتمدتها الأمم المتحدة، حق تقرير المصير، إقامة دولة مستقلة ذات سيادة، وحق العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شُرّدت منها أسرهم. كما يسلّط اليوم الضوء على معاناة الملايين من اللاجئين الذين نزحوا أو شُرّدت عائلاتهم منذ أحداث 1948 وما تلاها، ليبقى اليوم الدولي للتضامن منصة تذكّر العالم بأن القضية الفلسطينية لم تنتهِ، وأن الأمل في العدالة لا يزال حاضرًا.

في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، جنيف، فيينا، ومكاتب أخرى، تُقام فعاليات رسمية تشمل اجتماعات ومؤتمرات يتحدث فيها مسؤولون كبار، وممثلون لمنظمات مجتمع مدني، وقيادات فلسطينية وشخصيات داعمة للقضية. كما تُنظّم معارض ثقافية، عروض أفلام وثائقية، وندوات توعية تُعرّف العالم بالواقع الفلسطيني، وتستحضر قصص اللاجئين والمعاناة المستمرة. أما في الدول العربية والعالمية، فيشارك مؤيدو فلسطين — من جماعات وناشطين وطلاب وكتّاب وصحفيين — في مظاهرات سلمية، نشاطات ثقافية، توقيع عرائض، حملات إعلامية، وتأبين للضحايا وعائلاتهم. وفي بعض المناسبات، يُطلب من الدول الأعضاء دعم هذه الفعاليات إعلاميًا، وتسهيل عرض مواد توعوية، وتنظيم معارض توثّق النكبة واللجوء والظلم، ليظل التضامن فعلًا حيًا، وليس مجرد خطاب عابر.

بعد سبعين عامًا وأكثر على قرار التقسيم وما تلاه من تشريد واحتلال ومآسٍ، لا يزال الشعب الفلسطيني يعاني آثار النكبة الأولى والنكبة المستمرة، خصوصًا في غزة والضفة والقدس. اليوم، يشكّل هذا اليوم الدولي منصة لإحياء القضية أمام الضمير العالمي، والدعوة إلى إنهاء الاحتلال، وتفعيل قرارات الشرعية الدولية. التضامن اليوم ليس شعارًا فقط، بل دعوة للعمل: دعم اللاجئين، تقديم المساعدات الإنسانية، واحترام حقوق الإنسان، فكل ذلك يكمن في قلب هدف هذا اليوم، ويعكس موقف الإنسانية الراسخ تجاه العدالة والكرامة.

يمكن لكل شخص أن يساهم بطرق متعددة: نشر الوعي من خلال الكتابة، وسائل التواصل الاجتماعي، مشاركة شهادات ووثائق، قصص لاجئين، صور، وأفلام وثائقية. المشاركة في الفعاليات إن كنت في بلد يحتفل، أو الانضمام إلى منظمات تدافع عن حقوق الفلسطينيين، ودعم اللاجئين، والتبرع للمؤسسات الإنسانية، ونشر صوت العدالة والمعلومة الصحيحة، كلها طرق فعّالة. كذلك، فهم جذور القضية الفلسطينية وقراءة تاريخها يساعد على نقل الحقيقة، ويفتح الأذهان لما يعنيه أن تُسرق أرض أو تُشرّد عائلة، ويخلق وعيًا جماعيًا يتجاوز الشعارات العاطفية إلى موقف متين يستند إلى المعرفة والحقائق التاريخية.

إن اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني ليس مجرد يوم على التقويم، بل هو صوت ضمير، ورسالة تذكّر العالم بأن عدالة الفلسطينيين لم تتحقق بعد، وأن السلام لا يُبنى على الاحتلال أو الطرد، بل على الحق والكرامة والعودة. في هذا اليوم، ندعو كل من يؤمن بالحرية والعدالة أن يرفع صوته، أن ينشر الحقيقة، وأن يقف مع الإنسانية، ليس تضامنًا عابرًا، بل تضامنًا يُترجم الواقع، يعرف كيف يقف إلى جانب المظلوم، ويعيد الأمل إلى من فقدوه. فلسطين ليست قضية عابرة، بل قضية ضمير وإنسانية، تستحق أن تُبنى عليها حكمة التاريخ وإنسانية الغد، ليبقى صوت العدالة حاضرًا في كل زمان ومكان، ولتستمر قضية فلسطين حيّة في الوعي الجمعي العالمي، وفي قلب كل إنسان يبحث عن الحرية والكرامة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.