: آخر تحديث

الملك عبدالعزيز نصَح والحفيد نبَّه والخوريَّان اللبناني والسوري حذَّرا

0
1
0

بين أهل النخبة في السياسة والحُكم العرب ثلاثة رجال دولة تتسم رؤاهم قبْل ثلاثة أرباع القرن إزاء الغرْس اليهودي في أرض فلسطين، وما يمكن أن ينشأ عن هذا الغرْس من تداعيات على نحو ما يعيشه العالم العربي منذ خمسة عقود ووصل إلى نقطة الخطر في الزمن الراهن.

والثلاثة الذين نشير إليهم كانوا أصحاب بصيرة ما أحوج قادة الزمن العربي – الإسلامي – المسيحي الراهن إليها، كوْنها تساعد في جعْل البصيرة أكثر دقة في رؤاها لما حدَث ولما هو على أهبة الحدوث.

أول الرموز الثلاثة هو الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الذي في مذكرة بعث بها إلى الرئيس الأميركي الثاني والثلاثين (من 1923 إلى 1945) فرانكلين روزفلت قال الآتي: "إن تكوين دولة يهودية في فلسطين سيكون ضربة قاضية على كيان العرب لذا على الحلفاء وزعيمتهم الولايات المتحدة ألاَّ يسمحوا لليهود أن ينتهزوا فرصة سكوت العرب ورغبتهم في عدم التشويش على الحلفاء في الظروف الحاضرة فيأخذوا من الحلفاء ما لا حقَّ لهم فيه" و"إن مساعدة الصهيونية في فلسطين لا تعني خطراً يهدد فلسطين وحْدها، بل إنه خطر يهدد سائر الدول العربية...". ويُنهي الملك عبدالعزيز المذكرة إلى الصديق الأميركي الرئيس روزفلت بالتنبيه – النصح الآتي: "إذا نفَذ صبر العرب يوماً من الأيام ويئسوا مِن مستقبلهم، فإنهم يضطرون للدفاع عن أنفسهم وعن أجيالهم المقبلة إزاء هذا العدوان..." ويختم بالطلب من الرئيس روزفلت، الذي كان إلتقاه على متن طرَّاد في البحيرات المرة (قناة السويس) يوم 15 شباط 1945 بالنصح "أعطوا اليهود وأحفادهم من بيوت الألمان الذين إضطهدوهم...". وكأننا بالملك عبدالعزيز يرى أن المانيا هي مَن يجب أن تعوِّض اليهود عن الذي أصابهم من هتلرها بتخصيص إحدى مقاطعات المانيا لتكون ملاذهم وليس فلسطين، لكن نيات الغرب الأميركي – الأوروبي أن يكون اليهود شوكة في الخاصرة العربية، وهي بفعْل زرْع هذه الشوكة باتت أحوال العرب على نحو تشخيص الملك عبدالعزيز رحمة الله عليه. فقد كثُرت الإبتكارات لطبيعة العلاقات العربية – الإسرائيلية وها هو مآل سوريا دليل على ذلك فضلاً عن مآل لبنان لاحقاً، وكل هذا ضِمْن مخطط إكراه العالم العربي – الإسلامي ومِن خلال التطبيع على التسليم بإسرائيل، التي قوَّى من تجاسُرها على الإرادة العربية أن مصر الرئيس أنور السادات أبرمت معها معاهدة سلام ولحقت بها المملكة الأردنية، ثم بدأ التطبيع يتم خطوة خطوة بدءاً بموريتانيا والمغرب فدولة الإمارات والبحرين والسودان فضلاً عن علاقات قريبة من التطبيع بين إسرائيل وكل من قطر وسلطنة عُمان. وفي هذا التوجه قامت تركيا الأردوغانية بالدور الذي يشجع على التطبيع والذي قد تقع "سوريا الشرعية" في شباكه قبْل لبنان ومَن بقي عصياً على التطبيع مِن العرب.

ومثلما نصَح الملك عبدالعزيز ونبَّه ثم حذَّر وصاغ التحذير في مذكرات مكتوبة كي لا يقال إنه موقف منسوب إليه، فإن الحفيد وليَّ العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان ذكَّر بمفردات تأخذ في الإعتبار فارق الزمن في ذلك النصح وزمانه، الرئيس ترمب عندما إلتقاه بما قاله جده للرئيس الأميركي (الثاني والثلاثين) فرانكلين روزفلت، وأرفق التذكير بالموجز من التنبيه وفْق قاعدة "ما قلَّ ودلَّ" لإستغراق الإدارة الأميركية في إغفاءة إسرائيلية من شأنها مع الوقت أن ترتد على مفاهيم العلاقات الأميركية – العربية – الإسلامية التي يختزن وليُّ العهد السعودي التصور المحتمَل من جانب الأمتين في حال لم يبدأ التفهم بواقعية للصراع العربي – الإسرائيلي.

وفي مسار النصح والتحذير نستحضر موقفين لبناني وسوري ليت الإدارة الأميركية تتأمل بعمق في مضمون كل منهما. والموقفان على نحو ما تشاء الدواعي سَجَّلهما وفي زمن الملك عبدالعزيز إثنان من القادة العرب، مصادفة أنهما من الطائفة المسيحية ما يعطي موقفهما من إسرائيل أهمية مقرونة بنصح الحاضرين من المتعاطين صيغة الرهان التطبيعي في لبنان وفي سوريا. والإثنان هما الرئيس الأول للبنان المستقل الشيخ بشارة الخوري الذي مِن محاسن الظروف أنني عرفتْه زائراً له في عزلته التقاعدية ثلاث مرات كنتُ خلالها في صدد إستكمال مؤلَّف لي هو الأول الغرض مِن إصداره الإضاءة بأسلوب يجمع بين المعرفة والتبسيط وكان بعنوان "رؤساء لبنان من شارل حلو إلى شارل دباس" كتب مقدمته الطيِّب الذكر الأستاذ غسان تويني. وفي إحدى هذه الزيارات للرئيس الأول للبنان المستقل أطلعني على أوراق كان في صدد إعدادها للنشر حول العرب وإسرائيل لتكون مادة في مذكراته التي نشرها لاحقاً. وفي ورقة مِن هذه الأوراق كتب بخط يده ما قاله خلال مأدبة أقامها حميد فرنجيه الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية: "قبْل أن أختم خطابي رداً على حميد فرنجيه مرَّ في بالي شبح فلسطين، وتخيلتُ البلد الماروني لبنان يُضام كما فلسطين وقلتُ في نفسي: هذه فرصة سانحة لأستفتي لبنان المسيحي في قضية فلسطين وسياستنا فيها، وما هي لحظة حتى عرْضتُ المسألة أمام الحاضرين فقُلت: إذا رجعتم إلى قلوبكم وإلى ضمائركم أمكنكم أن تشعروا بمدى الإهتمام الواجب بهذه القضية، إذ ليس من العدل أن يؤتى من مشارق الأرض ومغاربها بأُناس لا يربطهم بنا أي نَسب ليكونوا أكثرية مصطنعة. فاليهودية شيء والصهيونية شيء آخر. اليهودية دين تسلست عنه المسيحية وإعترف به الإسلام، فأبناؤها مِن هذه الناحية لهم ما لنا وعليهم ما علينا مِن الحقوق والواجبات، إنما الصهيونية فكرة تحكُّم وإستثمار وسيطرة سياسية لا علاقة لها بالدين قط. وإني وأنا في منطقة مسيحية صرفة، بل مارونية صرْفة، أُعلن أن هذه الفكرة هي فكرتها وهي تؤيدها...". ويوضح الرئيس بشارة الخوري الآتي: "هذا كان أول صوت رسمي لدولة عربية إرتفع للذود عن فلسطين وفرَّق بين اليهودية والصهيونية، وهو صوت رئيس جمهورية لبنان في بلد ماروني ماية بالماية...".

القامة الثالثة تتمثل في فارس الخوري اللبناني الأصل الذي ترأَّس الحكومة في سوريا كما ترأَّس مجلس النواب، وكان مثالاً للتآخي المنزَّه عن نزوات السيطرة والإخضاع. وفي موقفه الرافض لليهود جيء بهم لإحتلال وطن غيرهم، كان يستند إلى ما في "التلمود" الكتاب المقدس لليهود ومِن جملة ما جاء فيه وبما يوجب قراءة مِن عرب الزمن الحاضر للوقوف على المخطَّط الصهيوني، مثْل النص التلمودي "يجب أن نُزوِّج بناتنا الجميلات للملوك والوزراء والعظماء وأن نُدخل أبناءنا في الديانات المختلفة، وأن تكون لنا اليد العليا في الدول وأعمالها فنُفتنهم ونوقِعهم في الحروب ونُدخل عليهم الخوف، وفي كل ذلك نستفيد الفائدة كلها...".

وإلى ما جاء في "التلمود" هنالك فقرة في "بروتوكولات حكماء صهيون" وبالتحديد البروتوكول الرابع كثيراً ما حدَّث فارس الخوري الذين يلتقيهم من المسؤولين العرب حولها وهي "إننا بقصد أن نَظهر كما لو كنا المحرِّرين للعمال، جئنا لنحررهم مِن هذا الظلم، حينما ننصحهم بأن يلتحقوا بطبقات جيوشنا من الإشتراكيين ونحن على الدوام نتبنى الشيوعية ونحتضنها متظاهرين بأننا نساعد العمال طوعاً لمبدأ الأُخوة والمصلحة العامة الإنسانية. وهذا هو السبب الذي يُحتم علينا أن ننتزع فكرة الله ذاتها مِن عقول المؤمنين وأن نضع مكانها عمليات حسابية وضرورات مادية، ولكي نُحوِّل عقولهم عن سياستنا، سيكون حتماً علينا أن نبقيهم في الصناعة والتجارة، وهكذا ستنصرف كل الأمم عن مصالحها ولن تفطن في هذا الصراع العالمي إلى عدوها المشترك".

ما في الكثير من بقية "بروتوكولات حكماء صهيون" يؤكد ما يجري تنفيذه تباعاً وينال العالم العربي – الإسلامي – المسيحي مِن أذاه الكثير.

ويبقى القول إن هذا الإستحضار لرؤية الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الإسلامي الذي تحتضن مملكته الحرميْن الشريفيْن مقروناً بأحدث تنبيه سعودي من جانب وليِّ العهد الأمير محمد بن سلمان خلال زيارته التاريخية للبيت الأبيض (الثلاثاء 18. 11. 2025) وكذلك لرؤية قامتيْن عربيتيْن مسيحيتيْن هما الرئيس اللبناني بشارة الخوري (الماروني) ورئيس مجلس الوزراء السوري (البروتستانتي) فارس الخوري (ما هذه المصادفة لإسم العائلة) برسم القادة العرب مِن مسلمين ومسيحيين الذين لهثوا وما زالوا مِن أجْل التطبيع مع إسرائيل التي في تلمودها وبروتوكولات حكمائها الكثير ما يوجب التنبه.

والله الهادي إلى واجب التبصُّر.

فؤاد مطر


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.