سليمان جودة
محزن جداً أن تتخلص سوريا من حكم بشار الأسد، فتسقط في قبضة العنف الطائفي الذي يقاتل فيه السوري أخاه السوري.
وأنا أستخدم لفظة مواطن لأنها اللفظة التي لا بديل عن اعتمادها عند الحديث عن وضعية السوري في بلده، ثم عند الحديث عن طبيعة العلاقة بين من يحملون الجنسية ذاتها بعضهم البعض، إذ لا مكان عندئذ للكلام عن طائفة ينتمي إليها هذا، أو جماعة ينتسب إليها ذاك، لا مكان ولا داعي ولا مبرر لأن رابطة المواطنة هي الرابطة الأعلى دائماً، ولأنها الأقدر دائماً أيضاً على أن تذيب كل ما يعترض طريقها أو يعوق حركتها على أرضها.
إنني لا أستطيع أن أصف مدى الأسف الذي أحسست به، وأنا أطالع خريطة لسوريا تداولتها ما تسمى مواقع التواصل الاجتماعي قبل فترة، لم تكن الخريطة لسوريا التي تطل من الشمال على تركيا، ومن الغرب على لبنان والبحر المتوسط، ومن الجنوب على الأردن وإسرائيل في منطقة هضبة الجولان المحتلة، ومن الشرق والجنوب الشرقي على العراق، لا لم تكن هذه هي الخريطة المنشورة، رغم أنها الخريطة التي عشنا نعرفها لسوريا في مقاعد الدراسة وفي غير مقاعد الدراسة ولا نعرف خريطة غيرها.
الخريطة المنشورة كانت لكامل المساحة السورية الواقعة بين الدول المجاورة من الاتجاهات الأربعة، ولكن المساحة كانت مقسمة إلى أربعة أقسام: واحد في الشمال قيل إنه للأكراد السوريين، وآخر على الساحل في الغرب قيل إنه للعلويين، وثالث في الوسط قيل إنه للسنة، ورابع في الجنوب قيل إنه للدروز!
هذه الخريطة المدسوسة ليست لسوريا التي نعرفها، وإنما لسوريا التي يريدها أعداؤها، ولا بد أن المواقع التي تداولتها بأقسامها الأربعة ليست مواقع تواصل اجتماعي، ولكنها مواقع فصل اجتماعي، أو قطع اجتماعي، أو عزل اجتماعي، أو ما شئت من الكلمات والعبارات التي تؤدي معنى الفصل بين أبناء الوطن الواحد لا الوصل.
وقد كان السياسي اللبناني، وليد جنبلاط، أسبق الناس إلى القول بهذا المعنى، وكان يقول ما يقوله بهذا الشأن من خلال زيارة إلى دمشق التقى خلالها الرئيس الشرع هناك، ثم من خلال تصريحات أطلقها مراراً بعد الزيارة وقبلها، وفي كل المرات كان يلفت انتباه الدروز إلى أنهم سوريون قبل أن يكونوا دروزاً، وأن ذلك ليس انتقاصاً من الدرزية بقدر ما هو إضافة إلى الرابطة السورية في وجدان كل واحد فيهم.
هذا الوعي لدى جنبلاط لا بد أن يكون حاضراً في رأس كل سوري درزي، لأن هذا وحده، نعم هذا وحده، هو الكفيل بقطع كل طريق على الذين يريدون للدروز أن يقدموا الدرزية على السورية فينال ذلك من نسيج البلد وتماسكه.
أقدم السورية على ما سواها لأنها الأساس الذي يقوم عليه كل ما عداه، وأقدمها لأنها تعني المواطنة بمصطلح العصر، وأقدمها لأن المواطنة تمحو كل الفروق بين أبناء البلد الواحد، فلا يشعر أي واحد بأن آخر يتميز عليه بسبب الدين أو الطائفة أو غيرهما، مما يميز بين أهل الوطن الواحد دون استناد إلى أساس موضوعي.