وفقًا لمصادر ChatGPT، يتراوح حجم نشاط توصيل الوجبات الغذائية في السعودية خلال الفترة (2024–2025) ما بين 9 إلى 10 مليارات دولار، مع توقعات بأن يرتفع إلى ما بين 13 و16 مليار دولار بحلول عام 2030، ويتوقع أن يسجل السوق معدلات نمو سنوية تتراوح ما بين 8% و9%.
في ظل الانتشار الواسع لخدمات توصيل الوجبات إلى المنازل، شهدت هذه الخدمة في مراحلها الأولى حالة من الفوضى التنظيمية، بالتزامن مع النمو الهائل وغير المسبوق في عدد الطلبات، التي بلغت نحو 290 مليون طلب خلال عام واحد في مختلف مناطق المملكة. وقد عكس هذا الرقم المتسارع حجم التوسع الكبير في سوق الخدمات اللوجستية، وازدياد الطلب على حلول توصيل أكثر سرعة ومرونة، مدفوعًا بزيادة عدد التطبيقات والشركات المرخصة، التي وصل عددها إلى 61 شركة.
وقد رافق هذا النمو السريع في خدمات التوصيل انتشارا واسعا جدًا لاستخدام الدراجات النارية، التي تجاوز عددها 13,000 دراجة في مختلف أنحاء المملكة، في ظل غياب ملحوظ لالتزام عدد كبير من سائقيها بأبسط قواعد السلامة المرورية، ما أدى إلى وقوع العديد من الحوادث. كما أثار ذلك استياء قائدي المركبات الأخرى، نتيجة للممارسات المزعجة والخطيرة التي تُلاحظ على عدد كبير من سائقي هذه الدراجات.
وفي ظل التوسع الكبير في خدمات التوصيل إلى المنازل والنمو المتسارع في حجم الطلب عليها، سارعت الجهات التنظيمية المختصة إلى وضع أطر تنظيمية واضحة وضوابط دقيقة تهدف إلى تطوير هذه الخدمة والارتقاء بها، بما يضمن سلامة مستخدمي الطريق ويعكس الصورة الحضارية للمملكة. وفي هذا السياق، أصدرت الهيئة العامة للنقل ستة قرارات تنظيمية جديدة لتقنين وتطوير نشاط توصيل الطلبات، وذلك بهدف رفع كفاءة وجودة الخدمات، وتحقيق مستهدفات التوطين، إلى جانب تحسين بيئة العمل للعاملين في هذا القطاع الحيوي.
كما أطلقت وزارة البلديات والإسكان خدمة "تصريح التوصيل المنزلي"، والتي أصبحت إلزامية اعتبارًا من مطلع شهر يوليو الجاري، عبر منصة "بلدي"، والتي تشمل المنشآت الغذائية وغير الغذائية التي تقدم خدمات التوصيل، حيث تم تحديد مجموعة من الاشتراطات التنظيمية والفنية، بهدف رفع كفاءة وجودة خدمات التوصيل، وضمان سلامة المنتجات المنقولة حتى وصولها إلى المستهلك.
لا شك أن الاشتراطات والضوابط والتعليمات التي أصدرتها الوزارة، المتعلقة بخدمات التوصيل إلى المنازل، خصوصًا فيما يخص الوجبات الغذائية، تُعد خطوة مهمة نحو رفع مستوى جودة هذه الخدمة وتعزيز سلامة المستهلك.
إلا أن التحدي الحقيقي لا يكمن في إصدار الأنظمة فحسب، بل في مدى التزام شركات التوصيل والتطبيقات بتطبيقها على أرض الواقع، بما في ذلك العاملين بتلك الشركات، حيث من خلال متابعتي كمستهلك، لم ألمس حتى الآن تغيرًا ملموسًا في جودة الخدمة منذ بدء التطبيق الإلزامي لهذه الاشتراطات، وهو ما يثير تساؤلات حول فعالية الرقابة وآليات المتابعة والتقييم، ومدى قدرتها على ضمان التزام الجهات المعنية بالتنفيذ الفعلي للضوابط.
وانطلاقًا من هذا التوجس والقلق المشروع، تبرز الحاجة الملحّة إلى تفعيل أدوات الرقابة بشكل أكثر فاعلية من قبل الهيئة العامة للنقل ووزارة البلديات والإسكان، إلى جانب فرض عقوبات صارمة على الجهات المخالفة، سواء من مزودي الخدمة أو العاملين فيها.
فالإخلال بالاشتراطات الصحية، سواء ما يتعلق بسلامة نقل الوجبات الغذائية أو بنظافة الحاويات وأدوات النقل، يُعد مخالفة جسيمة لا يمكن التساهل معها، لما لها من تأثير مباشر على صحة المستهلك وثقته في منظومة التوصيل بأكملها.
كما وينبغي ألا يُغفل جانب السلامة المرورية، في ظل ما يُلاحظ من سلوكيات متهورة لبعض قائدي الدراجات النارية، الذين يزاحمون المركبات العادية ويعرضون أنفسهم والآخرين للخطر، وهو ما ينعكس سلبًا على صورة الخدمة بأكملها.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية إلزام شركات التوصيل باستخدام مركبات ودراجات ووسائل نقل صديقة للبيئة، وتشجيع تبنّي تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، وربما الطائرات المُسيّرة (الدرونز)، وفق مواصفات تضمن سلامة العاملين وتُسهم في تقليل الانبعاثات الضارة، بما ينسجم مع مستهدفات الاستدامة البيئية.
كما تبدو الحاجة ملحّة إلى اعتماد حاويات توصيل ذكية تُفتح فقط من قبل العميل باستخدام أرقام سرية خاصة به، بهدف تعزيز أمان المنتجات وضمان وصولها دون تلاعب أو تلوث.
وفيما يتعلق باستخدام الطرق، فمن الضروري إعادة النظر في السماح لقائدي الدراجات النارية بالسير على الطرق الرئيسة، لا سيما الطرق السريعة، نظرًا لما يشكله ذلك من مخاطر على سلامتهم وسلامة مستخدمي الطريق الآخرين. ومن الأفضل قصر حركتهم على الطرقات الفرعية حفاظًا على أرواحهم، ولتقليل التداخل مع المركبات الأخرى. وفي حال تعذر ذلك، ينبغي على الأقل إلزامهم باستخدام مسار محدد وواضح، ومنعهم من التنقل بين المسارات تحت أي ظرف، أسوة بما هو معمول به في تنظيم حركة الشاحنات، بما يحقق أعلى معايير السلامة المرورية.
ومن الجوانب التنظيمية المهمة كذلك، ضرورة تمكين المستهلك من معرفة اسم سائق الدراجة النارية، ورقم لوحتها، بالإضافة إلى خط سيره، وذلك على غرار ما هو مطبّق في تطبيقات سيارات الأجرة، حيث سيُسهم هذا الإجراء في تعزيز الشفافية والثقة بين المستهلك ومقدم الخدمة، كما سيُتيح للمستهلك إمكانية الرجوع إلى هذه المعلومات عند الحاجة، لأي سبب كان، سواء لأغراض التحقق أو المتابعة أو تقديم الشكاوى. وعلى المدى المتوسط، يُعد توطين مهنة التوصيل باستخدام الدراجات النارية خطوة استراتيجية مهمة، ليس فقط من أجل تعزيز الرقابة وتحسين جودة الخدمة، بل أيضًا للإسهام في خفض معدلات البطالة، وفتح فرص وظيفية نوعية للمواطنين السعوديين الراغبين في العمل بهذا القطاع المتنامي.
ختامًا، فإن من المؤمّل أن يتبنى صندوق الاستثمارات العامة، ضمن قطاعاته الاستراتيجية الثلاثة عشر، والتي من بينها قطاع النقل والخدمات اللوجستية، مبادرة لإنشاء شركة وطنية متخصصة في خدمات التوصيل للمنازل، وخصوصًا في مجال توصيل الوجبات الغذائية، حيث قد أثبت الصندوق، من خلال تأسيسه وإدارته لعدد من الشركات، كفاءته العالية في الارتقاء بالخدمات التشغيلية والمعايير المهنية، ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك تأسيس "الشركة الوطنية للخدمات الأمنية (سيف)" في عام 2020، والتي نجحت في تقديم خدمات أمنية متقدمة تشمل حماية كبار الشخصيات، وإدارة النقد، والحماية البحرية، وأمن الفعاليات، وغيرها، مما يؤكد قدرة الصندوق على إحداث نقلة نوعية مماثلة في قطاع توصيل الطلبات للمنازل عبر التطبيقات، وبالذات الطلبات الغذائية نظرًا لأهميتها ولحساسيتها من الجوانب الصحية.