رشاد أبو داود
تربطك بها علاقة قديمة حميمة.. تصحو من النوم فتوقظك رائحتها الفواحة.. لا يصحو ذهنك إلا عندما ترتشف فنجانها.. ترافقك إلى المكتب من أول وصولك حتى نهاية دوامك.. 3 فناجين على الأقل وأحياناً 5 و6. القهوة مزاج وعادة وكافايين يجري في الدم، حاضرة في كل زمان ومكان.. ثالث اثنين تربطهما علاقة حميمة..
ووسط مجموعة هي الحاضر الصامت، يتحدثون ويتحاورون، تعلو أصواتهم أما هي فلا صوت لها، فقط رائحة وطعم لا هو حلو ولا شديد المرارة. البعض يحبها بقليل من السكر والبعض بأقل القليل والأغلبية تحبها بدون سكر.. هي الوقود الذي يوقظ يومك، تعلمنا أن البساطة هي الجمال، صديقة الغربة والكلام من دون كلمات.
يقال إن أصل شجرة البن التي تحمل ثماراً بداخلها بذور القهوة من إثيوبيا التي كانت تعرف باسم الحبشة وذلك في القرن الـ11، وأول من اكتشفها راعي يدعى كالدي لاحظ على أحد أغنامه نشاطاً غير عادي وحركات غريبة، تتبعها فوجدها تأكل من شجرة حمراء اللون، تذوق من تلك الشجرة فشعر هو الآخر بنشاط كبير.
انتشرت حكايته في القرية ثم إلى القرى المجاورة التي أخذت تزرع تلك الأشجار.. وأول من عملوا على تصنيع القهوة هم أهل اليمن في أواخر القرن الـ14..
ومن هناك انتقلت زراعة هذه الشجرة إلى بلدان مجاورة والمناطق الاستوائية في آسيا وأمريكا اللاتينية خاصة البرازيل التي تتربع الآن على رأس قائمة الدول المنتجة للقهوة.
انتشرت القهوة بعدها حول العالم لتصبح واحدة من أكثر المشروبات استهلاكاً وتأتي في المركز الثاني لأكثر المنتجات التي يتم تجارتها وتصديرها. كانت القهوة ولا تزال عنوان الكرم والضيافة العربية على كافة المستويات الرسمية والشعبية.. تقدم للرئيس أو الملك الزائر وبها يفتتح الحديث.
من عادات بعض الشعوب العربية أن تقدم القهوة في مناسبات الأفراح كما في العزاء.. وعند طلب يد العروس توضع 3 فناجين قهوة أمام المخول بالطلب ومن على يمينه وعلى يساره.. ولا يتناولونها إلا عندما يعلن المخول من أهل العروس الموافقة قائلاً: «أجتكم، اشربوا قهوتكم».
أما الشعراء والكتاب والمثقفون فالقهوة رفيقتهم ومعشوقتهم.. فهي كما يعتقدون تنشط الذهن وتشحن الخيال وتشحذ اللسان. علماً أن بعض المستشعرين والمتثاقفين ومدعي الإبداع يتخذون من القهوة قناعاً لإقناع الآخرين ومن يتحدثون معهم أنهم مبدعون.
طبعاً ليس من هؤلاء الشاعر محمود درويش الذي أبدع في قصيدة انتشرت على مساحة الوطن العربي وسجلت كواحدة من أهم القصائد التي كتبها عندما دلق حارس السجن إبريق القهوة الذي أحضرته أمه له في زيارة على الأرض يقول فيها:
أحنُّ إلى خبز أمي
وقهوة أُمي
ولمسة أُمي..
وتكبر فيَّ الطفولةُ
يوماً على صدر يومِ
وأعشَقُ عمرِي لأني
إذا مُتُّ
أخجل من دمع أُمي !
نزار قباني قال عنها إنها عجوز معمرة لها أحفاد بررة يقبلونها كل صباح ومساء وأنا أكثرهم براً بها. ايرنست همنغواي قال: «كل ما أحتاجه لكتابة روايتي هو كوب من القهوة وعقل خلاق». دوستويفسكي أيضاً قال في القهوة: «عندما أشعر بالكسل أحضر لنفسي كوباً من القهوة، إنه الدواء الذي ينشطني».