اسمها ليلى ولقبها بختي، من البخت أي الحظ. وهي قد تكون محظوظة لبلوغها مرتبة مميزة في السينما الفرنسية لكن هذه الممثلة الجزائرية الأصل ما كانت لتحصل على شهرتها وجوائزها بالحظ وحده. اجتهدت ونالت.
في آخر أفلامها تؤدي ليلى بختي دور إستير، أم يهودية مهاجرة من المغرب، تقيم في مساكن ذوي الدخل المحدود. يبدأ الفيلم وقد فاجأها المخاض. تترك أبناءها الخمسة في رعاية الجارات وتركب المترو وتذهب لتلد السادس. تلك هي عادتها في كل ولادة. امرأة قوية لا تتأخر عن واجباتها أو تتساهل في مظهرها. تقف في مطبخها ببابوج عالي الكعب وتعجن الكعك بأنامل مطلية بالأحمر.
غير أن الطفل السادس ولد باعوجاج في القدم. قيل لها إنه لن يقف على رجله من دون قالب صناعي. وترفض الأم أن يكون ابنها معاقاً. تأخذه وتدور به على كل أطباء العظام. تسمع الرأي نفسه ولا تيأس. ست سنوات وهي تحمله ثقيلاً بين ذراعيها، تصعد وتنزل بكعبها العالي من حافلات النقل العام. تقصد الأولياء الصالحين في كل الأديان. تريد معجزة ولا أقل من ذلك.
وتحققت المعجزة على يد سيدة لا علاقة لها بالطب، تداوي التشوهات بوسائل بدائية. لوت قدم الولد في الاتجاه الصحيح وربطتها بالحديد. وطوال أشهر بقي رولان مقيّداً بسريره لا يتحرك. حفظ مسلسلات التلفزيون ولم يتعلم القراءة. رفضوه في المدرسة لأنه لا يفك الحرف. واستنفرت الأم أبناءها الخمسة لكي يعلموه وينجح في الاختبار.
يكبر رولان وتكون والدته حاضرة مع هدايا كعكها المغربي في كل مفاصل حياته. يصبح محامياً لامعاً متخصصاً في حقوق المؤلف. يتعرف إلى المغنية سيلفي فارتان ويصبح وكيلاً لها. (قامت سيلفي بدورها الحقيقي في الفيلم). وعندما تتوسع أعماله ويفتح وكالته الخاصة تطلب إستير أن يخصص لها مكتباً. يصرفها فتعتبر قراره حكماً بالإعدام. هي التي حملته، عالجته، صنعت منه رجلاً ذا شأن ومن حقها أن تكون ذات كلمة في حياته ومهنته وزواجه. لا بد للعروس الفرنسية من أن تتعلم صنع الكعك المغربي.
قد تبدو الوقائع خيالية في فيلم «أمي والرب وسيلفي فارتان». لكن الفيلم مأخوذ عن سيرة حقيقية وفيه قدمت ليلى بختي أداءً يليق بنجمات عالميات. كانت مقنعةً في مرحلة شباب إستير ومقنعة أكثر في شيخوختها، رغم أنها في الأربعين. ويثير الاستغراب أن فنانة لها عشرات الأفلام، كرمتها فرنسا بوسامي شرف وجائزتي «سيزار»، غير معروفة لعموم العرب. لماذا لا نراها في مهرجان القاهرة أو الجونة؟
تعرف ليلى بختي أين تضع قدميها. تزوجت زميلها الممثل القدير طاهر رحيم ولهما أربعة أطفال. كانت حبلى بأصغرهم أثناء تصوير الفيلم وأخفت حملها كيلا يقلقوا عليها. شاهدناها في مهرجان «كان» الأخير تسير على السجادة الحمراء وعلى صدرها دبوس يرمز للتضامن مع شعب غزة. موقف ليس غريباً على الممثلة التي كان جدها من مناضلي جبهة التحرير في سيدي بلعباس.