: آخر تحديث

50 سنة على 13 أبريل... متى تنتهي الحرب؟

7
5
6

طوى لبنان يوم 13 أبريل (نيسان) 2025 ذكرى مرور 50 سنة على الحرب الأهلية. يحمل هذا التاريخ ذكرى بدء حرب يعود التأسيس الحقيقي لها إلى عام 1969، يوم بصم البرلمان على «اتفاق القاهرة»، اتفاق التخلي عن السيادة اللبنانية. وللتاريخ فالاتفاق، الذي عارضه النائب ريمون إده، لم يُتلَ على البرلمان لأنه «يتعلق بأمن الدولة». و«فتح لاند» التي نشأت عنه طالت نحو 70 في المائة من البلد، ولم تقتصر على حرية الفدائيين في العرقوب، ما تسبب في حربٍ محدودة عام 1973 مع الجيش لتنفجر حرب شاملة يوم الأحد 13 أبريل 1975.

لكن حتى اليوم، لا يوجد اتفاق على تاريخ موحد لنهاية الاقتتال الأهلي. فقد استمرت «الحروب الصغيرة» إثرَ التطبيق المجتزأ لاتفاق الطائف، عندما استُثني «حزب الله» من عملية نزع السلاح، ومنعت المحاسبة عن حربٍ طحنت 150 ألف حياة، وتركت نحو 20 ألف معوَّق و20 ألف مفقود، وأحدثت تغييراً ديموغرافياً طال ربع اللبنانيين، وهاجر ثلث السكان.

وتوجت تلك المرحلة بقانون «العفو عن جرائم الحرب» الذي غطى انتقال قادة الميليشيات من وراء المتاريس إلى مقاعد الحكم بالتحالف مع ميليشيات مالٍ (...)، جرى ذلك بكنف وجود عسكري سوري صنع طبقة سياسية مكنته من تعطيل الدستور والانقلاب على الجمهورية، مقدمةً لقيام نظام المحاصصة الطائفي، فتفشى الفساد والمحسوبية، واستبيحت الحريات، ونبذت الكفاءة لتنشأ أخطر أوليغارشية قابلها اتساع الفقر، وابتدعت «المفاهيم» لتغطية مآرب النظام السوري: «شعب واحد في بلدين!».

على مدى 50 سنة مرّ على لبنان 9 رؤساء جمهورية، ومؤخراً انتخب العاشر. اثنان منهما قتلا؛ بشير الجميل قبل أن يتسلم، ورينيه معوض الذي وصف برئيس الطائف، قتل بعد تسلمه الرئاسة بأيام، وآخر أربعة أتوا من قيادة الجيش. ومنذ 33 سنة لا يزال هناك رئيس واحد للبرلمان هو نبيه بري. سقطت الدولة وتكررت الوجوه في البرلمانات: غاب الآباء فحلَّ الأبناء ثم الأحفاد والأصهرة والأزلام، وتقدمت دوماً الرداءة، لتتشكل مظلة سياسية لكارتل سياسي مصرفي «مقاوم» احتكاري نهب مقدرات الدولة عبر تحاصص الوزارات، وحوَّلها إلى مغارات علي بابا. وبعدما أخرجت «انتفاضة الاستقلال» عام 2005 جيش النظام السوري، انقلبوا على الانتفاضة وارتهنوا لبندقية غير شرعية متعامين عن كونها ذراعاً استراتيجية في النظام الأمني الإيراني، غطوا على اختطافها للدولة واقتصادها الموازي فحمت فسادهم وتشاركته معهم.

تشاركوا بعد الدوحة في سرير حكومي واحد مع «حزب الله» الذي حاز على «الثلث المعطل» للبلد، بعدما كان قد اعتدى على بيروت واحتلها في 7 مايو (أيار) 2008، وراح يقضم السلطة ويجوف المؤسسات ويفرض الشغور الرئاسي لإملاء شروطه. وأسست هذه المحطة لرئاسة مرشح «حزب الله»، ميشال عون، المرحلة التي سرَّعت الانهيار الكبير، وكانت تباشيره أيام حكومة القمصان السود مع بدء السطو على الودائع. وفقد لبنان كامل سيادته عندما حول «حزب الله» ومحوره لبنان إلى قاعدة خلفية لقتل الشعب السوري فالعراقي واليمني، وجعل البلد منصة اتجار وتصدير للمخدرات وتعدٍ على الدول العربية، ليفقد لبنان سيادته الاقتصادية والمالية، وبات طبيعياً أخذ لبنان، قسراً عن مواطنيه، إلى حرب «إسناد غزة» فدمرته واستدرجت الاحتلال مجدداً!

ثورة «17 تشرين» 2019 التي كشفت عن جوانب من مخاطر التحالف المافياوي الميليشياوي وجمعت اللبنانيين خلف حقوقهم في مواجهة كل منظومة الفساد، نجحت في انتخابات عام 2022 في إفقاد «حزب الله» أكثريته البرلمانية، ومنعت الأغلبية عن «معارضة» نظام المحاصصة عندما أوصلت 13 نائباً.

يثار الكثير عن نواب التغيير من حيث قلة التجربة والتردد... لكنهم ليسوا لصوصاً ولم يكونوا بيادق في تغطية المنهبة وتشريعها وإفقار البلد وتغطية انتهاك سيادته، ولم يتشاركوا ابتداع نظام «الحصانات» و«قانون الإفلات من العقاب». وبقعة الضوء التي أدخلتها الثورة وهزيمة «حزب الله» في حرب المشاغلة وما رتبته من هزيمة للبلد، فرضا نفسيهما فكان الدعم الكبير لانتخاب جوزيف عون رئيساً ما أطلق تسونامي شعبياً فرض نواف سلام في رئاسة الحكومة.

لحظة موافقة «حزب الله» بلسان نعيم قاسم بالصوت والصورة على اتفاق وقف إطلاق النار الذي صار ملزماً للبنان، سقط المشروع الموكل لـ«الحزب» بعدما فقد سلاحه صفة المقاوم منذ زمن، وبات كل ما يدور حول آليات استكمال تسليم السلاح اللاشرعي، لأنه «لا دولة حقيقية إلاّ في احتكار القوات المسلحة الشرعية للسلاح»، كما أعلن رئيس الحكومة الذي دعا لإحياء الذكرى تحت شعار: «منتذكر سوا لنبني سوا». غير أن قيام الدولة المدنية الطبيعية القادرة على حماية كل أبنائها تفترض أيضاً بسط سلطتها وسيادتها على اقتصادها وكل إيراداتها المالية، وإعادة الحقوق لأصحابها. فلا اقتصاد موازٍ ولا «قرض حسن»، ولا تفلت الكارتل المصرفي من مسؤوليته المباشرة المالية والجنائية عن الخراب العام.

حصر السلاح بيد الشرعية، وتأمين حقوق الناس، وأولهم أصحاب الودائع وإطلاق إصلاح حقيقي يعيد السيادة المالية والاقتصادية للدولة، حينئذٍ يلج لبنان زمن نهاية حروبه الأهلية وحروب الآخرين على شعبه.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد