: آخر تحديث

سؤال التريليون.. من سينتصر أمريكا أم الصين؟

9
8
7

محمد سليمان العنقري

ثمن الجواب عن هذا السؤال ليس كبيرا كما قد يتبادر للذهن، لأن الدولتين تمثلان نحو 43 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي وإذا تعمقنا أكثر بأثر حجم اقتصاديهما على العالم فقد نصل لما يقارب 65 في المائة، لانهما أكبر الأسواق للطاقة والمعادن وأغلب رافعات الموانئ بالعالم في هاتين الدولتين وعدد سكانهما يقارب 1,8 مليار نسمة اي قرابة 23 في المائة من سكان العالم، لكنهم الأكثر استهلاكا وطلبا للسلع والخدمات والأعلى إنتاجية خصوصا الصين التي أصبحت تسمى مصنع العالم. أما أمريكا فهي القوة الأولي عالميا وصاحبة الابتكارات والاختراعات والتقدم العلمي والتكنولوجي الذي يسبق دول العالم بمراحل عديدة.

لكن حرب الرسوم التجارية التي أشعلتها أمريكا مع العالم أجمع والصين تحديدا أصبحت تهدد استقرار الاقتصاد العالمي ونموه وستغير قواعد التجارة الدولية للابد ولها أثر بالغ بالنظام المالي العالمي، إلا أن أكثر سؤال يتردد حاليا من سينتصر في هذه المواجهة الكبرى التي لن تتكرر مرة أخرى؟ فما سينتج عنها ستسير عليه الدولتان في علاقتهما التجارية وتبادل الاستثمارات لعقود طويلة ولا يمكن وضع إجابة واحدة على من سيفوز بهذه الحرب التجارية. إذ يجب القياس على كافة الأبعاد الزمنية لأن ما يحدث حاليا يؤسس لعلاقة مستقبلية طويلة الأمد وبكل مرحلة، هناك أثر يختلف عما يليه، فأمريكا اليوم التي تريد إدارتها الحاكمة إظهار أنها الخاسر الأكبر من تجارتها مع العالم نتيجة العجز التجاري الذي يبلغ 1,2 تريليون سنويا هي أيضا من بشر بالعولمة ومن مؤسسي نظم التجارة الدولية واستفادت كثيرا منها إن لم يكن في التجارة البينية ففي تدفق الاستثمارات لها وفي رواج استخدام الدولار الذي يتم به تسعير السلع العالمية وأهمها النفط والغاز والمعادن التي تعد أساسا للتنمية والصناعات مما أسهم بأن يكون الدولار المثقل بالديون مصدر حمايته هو دول العالم التي تستخدمه في تبادلها التجاري وضرورة أن يكون هو العملة الاحتياط الأولى بالعالم. فالأموال التي تتدفق لأمريكا رفعت من حجم الاستثمار بها لأرقام فلكية، فقيمة أسواقها المالية تبلغ 60 تريليون دولار تقريبا، ما يعادل أربعة أضعاف أسواق الصين التي تقارب قيمتها 15 تريليون دولار وبذلك فإن إظهار أن أمريكا خاسرة في العولمة والتجارة الدولية هو غير دقيق ويلغي إبراز المكاسب أما لماذا لديها عجز تجاري فهذا يعود لكونها تستهلك أكثر مما تنتج وهذا قرارهم لم يجبرهم أحد عليه؛ أي بإمكانهم ضبط إنفاقهم وتقليل الواردات والمنافسة بزيادة الإنتاج المحلي دون الحاجة لخوض حروب تجارية.

لكن يبدو أن هناك أسبابا عديدة تقف خلف هذه الحرب، فإذا كان ظاهرها أنها موجهة لنحو 180 دولة فقد حققت بهذا الجانب شيئا واحدا أنه تم وضع حد أدنى عند 10 في المائة على الجميع ارتفاعا من 2 في المائة وبذلك ستحقق إيرادات ضخمة مستقبلا لكن ما يخص الصين تحديدا يتعدى حدود تقليص العجز التجاري معها، فهناك ملف سعر صرف اليوان الذي تريد أمريكا ألا يتم استخدامه لزيادة منافسة السلع الصينية وهناك ملف حقوق الملكية الفكرية وهو مهم جدا لكن في إطار الإجابة عمن سينتصر في هذه الحرب؟ فعلى المدى القصير لا يوجد رابح أبدا، إذا سيرتفع التضخم في أمريكا وسيؤثر على إنفاق المستهلك كما أن السوق المالية ستبقى تحت الضغط وأقرب للتراجع، أما الصين فخططها لتحقيق نمو اقتصادي بحدود 5 في المائة ستتأثر سلبا وهو ما سيقلل من جاذبية الاستثمار لها على المدى القصير، إضافة لزيادة بالمخزون لدى شركاتها لبضائع مخصصة للسوق الأمريكي مما سيعرض شركاتها لخسائر إضافة لحاجتها لحزم دعم حكومية ستكلف مبالغ ضخمة لتجاوز أزمة الرسوم بدلا من أن توجه لمشروعات تنموية أخرى.

أما في المدى المتوسط والبعيد فأمريكا هي المستفيد، حيث سيتقلص عجزها التجاري ويتباطأ نمو الدين السيادي الذي يزيد حاليا بأكثر من تريليون دولار سنويا وتنتقل بعض الصناعات لأمريكا فتولد الوظائف وترتفع الطاقة الإنتاجية المحلية وتزداد الاستثمارات بطبيعة الحال وتعود أسواق المال للازدهار مجددا وتتعزز أكثر مكانة الدولار. فصادرات أمريكا للصين تبلغ 145 مليار سنويا وهي لا تشكل نسبة كبيرة من ناتجها الإجمالي، إذ تبلغ نحو 0,7 في المائة وحتى بتوسيع حجم التأثير قد لا يتعدى 2 في المائة من حجم الاقتصاد الكلي لأن أمريكا تعتمد بنحو 70 في المائة على الاستهلاك المحلي بينما تعادل صادراتها للصين أقل من 5 في المائة من صادراتها للعالم.

أما الصين فالمتوقع رحيل استثمارات عنها وانتقال مصانع مهمة للخارج فهي تصدر بنحو 439 مليار دولار سنويا لأمريكا تعادل 2 في المائة من الناتج الإجمالي، لكن هذا الرقم البسيط عند توسيع أثره بالاقتصاد الصيني مع حساب مدخلات الإنتاج والخدمات.. الخ، سيصل إلى ما يفوق 1,5 تريليون؛ أي قرابة 10 في المائة وأكثر من ناتج الصين بسبب حجم أثر السوق الأمريكي على اقتصادها، لأن الصين عكس أمريكا تعتمد بنحو 70 في المائة من ناتجها الإجمالي على التصدير ويعادل حجم الصادرات لأمريكا 12,5 في المائة من صادرات الصين العالمية البالغة قرابة 3,6 تريليون دولار وهو رقم كبير وستكون أسواق أمريكا بالمقابل بعد تشديد الرسوم على المنتجات الصينية مفتوحة لمنافسي الصين أكثر وستخسر سوق لا يعوض بسهولة وبذلك تزداد البطالة لديها وتصبح شبه معزولة عن أهم الأسواق بالعالم وهو ما قد يكون أحد أهداف أمريكا خصوصا بعد أن توسعت الصين بتجارتها الدولية واستفادت من مبادرة الحزام والطريق، إذ وصل حجم تبادلها التجاري مع الدول المنظمة للمبادرة لنحو 50 في المائة من تجارتها العالمية.

تنظر أمريكا إلى الصين كمنافس حقيقي سيزيحها يوما ما عن مركز الدولة الأولى بالعالم اقتصاديا وتتوسع بتجارتها الدولية بنمو كبير عكس أمريكا التي تزداد ديونها نتيجة استهلاكها المفرط وهي تريد أن تتحرك حاليا بكل ما لديها من قوة لوقف تقدم مكانة الصين الدولية وإشغالها بمعالجة تحديات اقتصادية من خلال التحول المفاجئ من الشريك الأول لها بالتجارة إلى منافس يضع لها العقبات بأوجه عديدة بعد أن أسهمت استثمارات أمريكا وشركاتها بدور كبير في اقتصاد الصين، فمثل هذا التحول لن يكون مجرد تحدٍ قصير الأمد، فله أبعاد كبيرة إذا تطور، فهناك 700 ألف شركة صينية تصدر للعالم وتشغل عشرات الملايين من الصينيين فإذا تأثر بعضها سينعكس ذلك بأثر كبير في اقتصادها وهو ما تراهن عليه أمريكا، بينما رهان الصين بصمودها أن حكومة الرئيس ترمب لن تستطيع أن تصبر كثيرا في مواجهة الصين خوفا من ركود يضرب أمريكا فيزعزع ثقة الناخب الأمريكي بالجمهوريين ويكون الكاسب الأكبر الديمقراطيين مستقبلا.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد