عبد الله سليمان الطليان
يقدر عدد المصابين اليوم بالتوحد في الولايات المتحدة بنحو 400 ألف، وهو الذي كان يعد في السابق اضطراباً عصبياً نادراً يتميز بالانسحاب الاجتماعي، وصعوبة التواصل، وبحركات لا إرادية تكرارية. وبرغم وجود خلاف حول الأعداد الدقيقة للمصابين، فإن معدلات التوصل إلى تشخيص تلك الحالة يبدو أنها ارتفعت بصورة حادة خلال العقد الأخير.
وفي ولاية كاليفورنيا، بلغ معدل الإصابة بالتوحد في العام 2002 ستة أضعاف مثيله 1987 في العام وخلال تلك الفترة، أضاف المسؤولون الصحيون الفيدراليون أربعة أنواع جديدة من اللقاحات إلى جدول التطعيم الخاص بالأطفال، كما أن كمية الزئبق التي تعطى روتينيا للرضع خلال أشهر السنة الأولى من الحياة قد تضاعفت أو زادت عن الضعف وطوال عقد التسعينيات من القرن العشرين، كان الطفل البالغ من العمر ثلاثة أشهر يتلقى ما يصل إلى 63 ميكروغراما من الزئبق خلال زيارة واحدة للطبيب - وهو ما يصل تقريبا إلى نحو 100 ضعف مستوى الأمان المحدد من قبل وكالة حماية البيئة، وبوصول الطفل إلى سن ستة أشهر، تبلغ كمية الزئبق التي يتعرض لها، إذا كان تلقى كافة تطعيماته الإجبارية، إلى 188 ميكروغراما - وذلك عبر سلسلة من تسعة تطعيمات على الأقل.
وبرغم أن الخطوة التي اتخذتها الإدارة FDA في العام 1999 قد قللت كمية هذا التعرض كثيرا، فلا تزال بعض لقاحات الأنفلونزا التي تعطى للرضع تحتوي على 12.5 ميكروغرام من الزئبق ميكروجرام لكل جرعة وهو أكثر من عشرة أضعاف مستوى الأمان اليومي المحدد من قبل الوكالة FDA بالنسبة لطفل لا يزيد وزنه على 20 رطلا وتورط الأدلة الظرفية بدورها الزئبق في إحداث التوحد: فبعض أعراض التوحد تتشابه مع أعراض التسمم بالزئبق، وقد جمع أهالي أدلة مستقاة من عينات الشعرعلى أن الأطفال التوحديين لا تتخلص اجسامهم من الزئبق بنفس الكفاءة التي تفعل بها ذلك أجسام الأطفال الأسوياء.
وربما كانوا مصابين بقابلية وراثية تسمح بتراكم المزيد من الزئبق في أنسجتهم، كما يقول. وقد يجعلهم ذلك أكثر حساسية للقاحات vaccines المحتوية على الزئبق وللتعرض المستمر المنخفض الحدة من حشوات اسنان أمهاتهم. وفي العام الماضي أخبر ابوشيان لجنة من المعهد الطبي في العاصمة واشنطن بأنه من المدهش بالنسبة لي أن أحدا لم يقم بتحليل أنسجة الأطفال المصابين بالتوحد لمعرفة ما إن كانت تحتوي على كميات مفرطة من الزئبق وهو أمر لا بد بالفعل من القيام به.
وهناك مصادر أخرى للشك أيضا فنوع الزئبق الموجود في الثيميروزال - وهو مركب عضوي اسمه إيثيل الزئبق - هو أقل مركبات الزئبق تعرضا للدراسة والبحث وعندما يتجادل العلماء بخصوص سميته، فهم يعتمدون نمطيا على البيانات المتعلقة بميثيل الزئبق، وهو ما قد يمثل نمطيا مماثلا من التعرض ويختلف الخبراء حتى على ما إن كان إيثيل الزئبق يمكنه عبور الحائل الدموي الدماغي BBB رغم أنه يعبره في أغلب الاحتمال). وقد قالت عالمة السموم بولي ساجر Sager من المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية للجنة المعهد الطبي أنه لا توجد هناك طرق جيدة لمعرفة ما إن كان إيثيل الزئبق يعبر الحائل الدماغي، وقد خلص المعهد الطبي في مايو 2004 إلى أنه لا يمكن الادعاء بوجود علاقة سببية بين اللقاحات المحتوية على الزئبق وبين التوحد، لكن العديد من الباحثين المستقلين اشتكوا من أن دخولهم إلى قاعدة البيانات الفيدرالية عن اللقاحات قد منع بصورة متكررة، وقاعدة البيانات تلك قد تزودهم بأدلة عن وجود مثل تلك العلاقة السببية. ويستمر عدد قليل من العلماء، وبمن فيهم أهالي وطبيب الأعصاب ريتشارد ديث Deth، من جامعة نورث وسترن في مدينة بوسطن، في دراسة الآليات المحتملة لمثل هذا الارتباط.
أخيراً لقد كان الزئبق من العناصر التي توجد طبيعيا في جو الأرض قبل زمن طويل من قيام المولدات التي تدار بالفحم وغرف حرق النفايات الطبية ومحطات إنتاج الكلور - القلوي بطرح المزيد منه في الجو، ويتسرب بعض الزئبق إلى الهواء عندما تنفجر البراكين وتتفتت الجبال.
ومن المنطقي أن الزئبق ظل يتراكم في لحوم السمك، والمحار والثدييات البحرية منذ أن بدأ البشر في تناولها للمرة الأولى - وهذا هو الأرجح سبب وجود بروتين يدعى ميتالوثيون metallothione في أجسام البشر، والذي يساعد في إزالة سمية الزئبق وغيره من المعادن الثقيلة.