ما كدت أحط في مطار الدار البيضاء، حتى توالت رسائل الأصدقاء والصديقات يطمئنون علي، ويتساءلون: كيف وجدت المغرب؟ وبطبيعة الحال لم أجب، أنهيت الإجراءات جميعها، تسلمت حقيبتي، وخرجت، من أمام المطار كانت سيارة تابعة لوزارة الثقافة المغربية بانتظاري، ركبتها ويممنا صوب الشمال باتجاه مدينة الرباط، حيث تقام فعاليات معرض الرباط للكتاب في دورته الـ 29.
الرباط مدينة المرابطين الذين كانوا قوة المغرب العسكرية، فأسسوا هذه المدينة لتكون لهم حصناً ينطلقون منها للفتوحات، ثم تسلمها الموحدون من بعدهم فجعلوها عاصمة ورباطاً وبوابة انتصارات تواصل ما بدأه المرابطون، مدينة وادعة لا تحتاج كثيراً لتصحبها كشأن كل المدن التي تتوسط السواحل، لا تعاني أي ازدحام، فسكانها لا يتجاوزون المليوني نسمة، مستعدون دوماً كأسلافهم المرابطين، ليس للغزو والدفاع، ولكن للترحيب بضيوفهم الآتون إليهم من بلدان المعمورة، فإن كانت الرباط فيما مضى حصناً وقلعة فهي اليوم قلب كبير قُدّ من كرم ومحبة وثقافة.
تطل على محيط هائل يفصلها عن أمريكا ويخترقها نهر وادع كاسمه يسمى بابي الرقاق يفصلها عن مدينة سلا، فإذا قادتك قدماك إلى قصبة أو قصر «الوداية» سترى عظمة المدينة عندما ستلوح لك تلك المدافع التي لطالما حمت المدينة من مخاطر الغزاة، وهي على حالها ما تزال ترقد على أسوار القلعة باتجاه المحيط المتلاطم.
ومنذ اليوم الأول لي في الرباط، والأسئلة ذاتها تتتالى: كيف وجدت الرباط، هل أحببتها.. إلخ، ولم أجب، فما زلت أتلمس الطريق إلى قلب المحيط الصاخب، لم أحتج كثيراً لأعثر على بوابات الرباط الحقيقية، فلقد وضعت يدي على مغاليقها حين ولجت تلك البوابات، عنها فقط لمست قاع المحيط وأحببت الرباط.
إن أول البوابات أن يكون لك أصدقاء في المدينة، ويصبح لك بيوت تلجها بطمأنينة، ومجالس عامرة تتقاسم معهم فيها خبز الرفقة وملح الحياة، ثم تجلس في ظل وارف تشرب الشاي المغربي وسط طقوس لن تنساها ما حييت، وتستمتع بنسمات هواء لشدة طراوتها تسائل نفسك: هل لامس هواء مثله قط وجهك يوماً؟