في لهجاتنا الدارجة نقول عن أحدهم: «كبُر في عيني»، كناية عن التقدير لمواقف أو قدرات شخص ما، وبالعكس نقول: «طاح من عيني» أو «وقع من عيني»، كناية عن الموقف النقيض، أي أنّ العين هي الدليل إلى طبائع الأشخاص. بيت الشعر العربي الشهير: «وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ/ وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المساوِيا»، سيظهر لنا أن العين ماكرة، فهي لا تقدّم، بالضرورة، حكماً موضوعياً عن الآخرين، فإن جمعت أي شخص بشخص آخر علاقة محبّة أو مصلحة، فإن العين تصبح «كليلة» في رؤية عيوبه، وحسب المعجم فإن بين المفردات الرديفة للكليل: «خائِر، سَقِيم، ضَعِيف، مُتْعَب، وَاهِن»، أما إذا كان الودّ لا يجمع بين شخص وآخر، فإن «عين السخط» تبالغ في إظهار مساوئه.
وشأن أي بيت شعري قديم تتعدد الروايات حول قائله، وكل رواية تنسبهُ إلى شاعر مختلف، ولكننا سنرجح الرأي القائل إنها تعود إلى الإمام محمد بن إدريس الشافعيّ (150-204ه / 767-820م)، وتلي ذلك البيت أبيات أخرى لا تقلّ جمالاً تقول: «وَلَستُ بِهَيّابٍ لِمَن لا يَهابُني/ وَلَستُ أَرى لِلمَرءِ ما لا يَرى لِيا/ فَإِن تَدنُ مِنّي تَدنُ مِنكَ مَوَدَّتي/ وَإِن تَنأَ عَنّي تَلقَني عَنكَ نائِيا/ كِلانا غَنيٌّ عَن أَخيهِ حَياتَهُ/ وَنَحنُ إِذا مِتنا أَشَدُّ تَغانِيا».
يُذكر أن ميخائيل نعيمة في كتابه «النور والديجور»، وانطلاقاً من القول عن «عين الرضا وعين السخط»، تساءل: «ألعل الرضى والسخط، والحسن والبشاعة، والأنس والاشمئزاز، صفات كامنة في حدقة العين وإنسانها، حتى إذا ما نظرتْ إلى الكائنات أبصرتْ بعضها بغير سيئةٍ أو عيب فكانت عين رضى، وأبصرت الآخر مملوءاً بالعيوب والمساوئ فكانت عين سوء»، قبل أن يضيف: العين، على كل ما في صنعها وتركيبها من مهارة عجيبة، ليست أكثر من آلة فوتوغرافية تلتقط ما ينعكس عليها من الأشكال والألوان، وبالتالي فإنه النقائض عندها سيّان.
بعيداً عن «تشكيك» نعيمة، وبعيداً أيضاً عن المجاز ومخيّلة الشعراء، ثمّة دراسات حديثة تقول إن حدقة العين تفصح عن مقدار السعادة، إذ تتسع بشكل ملحوظ وتضيق في مواقف الغضب والحزن، أما في حالات الحب فإنها لا تتسع فقط، وإنما تلمع، أيضاً، بشكلٍ واضح. هذا ما أكدّه اختبار أجراه باحثون إيطاليون طلبوا من المشاركين فيه اختيار شخص يشاركهم إياه، ثم جلس الجميع أمام بعضهم في غرفة ذات إضاءة خافتة وطلب منهم الباحثون، النظر في عين الشخص المقابل لمدة عشر دقائق. وفي نهاية الاختبار قال المشاركون فيه إنهم شعروا بما يشبه النشوة مع نهاية التجربة، وقال بعضهم إن للنظر في عين الآخر آثاراً مشابهة للمواد المخدرة.