لم أقرأ بعد رواية «قناع بلون السماء» للأديب الفلسطيني الأسير في السجون الإسرائيلية، باسم خندقجي، التي أُعلن في أبوظبي، قبل يومين، عن فوزها بجائزة الرواية العربية، لذا ليس بوسعي قول شيء عنها الآن، وقد أتوقف عندها بعد قراءتها، ولكني سعدتُ، كالكثيرين، بالتفاتة أعضاء لجنة تحكيم الجائزة إلى هذه الرواية التي سبق أن تأهلت للقائمة القصيرة، كونها كُتبت في ظرف استثنائي صعب، ظروف الأسر حيث يقضي الكاتب عقوبة بالسجن المؤبد لانخراطه في النضال من أجل حقوق شعبه الفلسطيني.
رئيس لجنة التحكيم، الروائي السوري نبيل سليمان، قال في البيان الذي أعلن فيه فوز الرواية «إنها روايةٌ تغامر في تجريب صيغ سردية جديدة للثلاثية الكبرى: وعي الذات، وعي الآخر، وعي العالم، حيث يرمح التخييل مفككاً الواقع المعقد المرير، والتشظي الأسري والتهجير والإبادة والعنصرية. كما اشتبكت فيها، وازدهت، جدائل التاريخ والأسطورة والحاضر والعصر، وتوقّد فيها النبض الإنساني، كما توقدت فيها صبوات الحرية والتحرر من كل ما يشوّه البشر، أفراداً ومجتمعات».
تكاد هذه الحيثيات أن تلخص لا فكرة الرواية وبنيتها فحسب، وإنما أيضاً سيرة كاتبها المولود في العام 1983، والذي انخرط في النضال الوطني منذ الخامسة عشرة من عمره، في زخم الانتفاضة الفلسطينية الأولى، حين انضمّ إلى حزب الشعب الفلسطيني، واعتقل وهو في الحادية والعشرين من عمره، ولما يزل طالباً في سنته الجامعية الأخيرة، حيث كان يدرس الصحافة والإعلام بجامعة النجاح، ليُحكم بعد عام بثلاثة مؤبّدات.
حوّل باسم خندقجي زنزانة السجن إلى ورشة كتابة، في شكلٍ من المقاومة، وهو أمر عهدناه لدى الكثير من سجناء الرأي من الكتّاب والأدباء والمفكرين في مختلف بلدان العالم. حسبنا هنا أن نذكر «دفاتر السجن» التي وضعها المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي، مقدّماً إضافة مهمة للفكر العالمي.
أول مؤلفات خندقجي في السجن كانت «مسودات عاشق وطن»، عن الهمّ الفلسطيني العام، ثم «هكذا تحتضر الإنسانية»، عن معاناة الأسرى الفلسطينيين داخل السجون، كما قرض الشعر أيضاً فكتب ديواناً أسماه «طرق على جدران المكان»، مُذكّراً إيانا بالعبارة الشهيرة «لماذا لم يدقّوا جدران الخزّان» في رواية «رجال في الشمس» لغسان كنفاني. في السجن أيضاً، وضع الكاتب عدداً من الروايات، بينها: «مسك الكفاية: سيرة سيدة الظلال الحرة»، و«نرجس العزلة» التي أطلقت في ملتقى فلسطين الأول للرواية العربية عام 2017، وتولت والدته وشقيقه توقيعها للحضور بالنيابة عنه، كما صدرت له في العام 2018 الرواية التاريخية «خسوف بدر الدين»، التي جعل من بطلها قطباً صوفيّاً في عصره، «يطاوعه النور، ويمكّنه من استكشاف الآتي مُتحدّياً الفساد».
سنرى في فوزه بالجائزة تقديراً لمجمل إبداعه، ولصموده.