اكتسبت الثقافة عمقها وقوة تأثيرها لما تتمتع به من عمومية وشمولية في مفهومها ووظيفتها، ولا أدل على ذلك من المقولة التي يتم ترديدها بأن كل مثقف متعلم وليس كل متعلم مثقفاً، وهذا يعني أنه من الممكن أن تجد إنساناً على درجة عالية من التعليم وحاصل على شهادة عليا، لكنه لا يتمتع بالثقافة اللازمة التي تساعده على الانتشار أو الترويج لأفكاره بل حتى تطوير علمه، بينما قد تجد مثقفاً يملك الوعي ويدرك الطرق المناسبة لتوظيف المعرفة وفي اللحظة نفسها حاصل على شهادة تعليمية مناسبة، ورغم هذا فإن الثقافة لا شروط لها أو متطلبات، فقد تجد أناساً يتمتعون بثقافة واسعة لكنهم غير متعلمين أو غير متخصصين في مجال علمي محدد، ولذا يقال بأن الثقافة هي بمثابة الخبرات أو الروح التي تعتمد على المعلومات والتي في كثير من الأحيان تكون بمثابة المفتاح نحو مختلف الأشكال والأنواع، ورغم هذا إذا قدر واهتم مجتمع ما بالحركة التعليمية ومنحها الأولوية عند رسم خططه التنموية فإن المجتمع دون شك سينمو وفق ثقافة صحيحة متزنة، أو أنه سيكتسب ثقافة قويمة صالحة محملة بالمبادئ الراسخة، وهكذا فإن وعي الفرد والمجتمع وعلمه قد يكون له انعكاس إيجابي على نمو ثقافة مميزة، ورغم أن هناك من يفصل بين الثقافة والعلم، إلا أنه يتضح تلاصقهما وأن كل واحد منهما يقوم بدور يخدم الآخر.
دون شك أنه لا يمكن أن توجد في المجتمع، أطر ثقافية وعمق معرفي دون مؤسسات ذات علاقة تكون فاعليتها قوية وحضورها واضحاً في مختلف أجزاء المجتمع، مؤسسات مثل المدارس والجامعات وصالات الفنون والمسارح والأنشطة القرائية وغيرها الكثير، وإذا قدر وكان هناك خلل في تواجد هذه المؤسسات فإن هذا المجتمع سيتعثر وسيواجه مشاكل في عدة جوانب حياتية، وذلك لسبب بسيط، فالثقافة قد تكون مشوهة لأي سبب إلا إن تواجدت مؤسسات معرفية قوية تجعلها – أي الثقافة – في سياقها وتسمح لها بالنمو الصحي، وتصبح مهيمنة وبمثابة عامل لاستقرار ونمو المجتمع، ومن هنا يتضح أن لحضور الثقافة مكانة جوهرية ومهمة للمحافظة على أمن المجتمع ولنموه الصحي السليم، وبالتالي فإن المقولة التي يتم ترديدها بأن الثقافة تسهم بشكل واضح في تقوية المجتمعات، صحيحة، وتكتسب مصداقية كبيرة من الواقع الذي نعيشه ونشاهد تفاصيله.