: آخر تحديث

إغراءات الحياة

8
7
9

باتت السوق الاستهلاكية تشكل جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، الإعلانات المتلألئة وعروض البيع المغرية تحيط بنا من كل جانب، مقدمة لنا وعوداً بالسعادة والرضا من خلال اقتناء المزيد من السلع والخدمات، لكن مع تسهيل التجار لعملية الدفع وجعل الشراء أكثر سهولة ويسراً، يبرز تساؤل جوهري حول خطورة الفكر الاستهلاكي وكيف يمكن أن يتحول إلى نوع من الإدمان.

الفكر الاستهلاكي ليس مجرد توجه نحو شراء السلع والخدمات، بل هو نمط حياة يعتمد على الاعتقاد بأن السعادة والرضا يمكن تحقيقهما من خلال الاستهلاك المستمر. هذا النمط من التفكير يدفع الأفراد إلى الشراء بشكل مفرط وغير مدروس، ما يؤدي إلى تراكم الديون والإضرار بالصحة النفسية والمالية، وهذا ما أسميه بالغرق في بحر الاستهلاك.

في ظل التطور التكنولوجي، أصبحت عملية الشراء أسهل من أي وقت مضى، فمن خلال نقرة واحدة على الهاتف الذكي أو الكمبيوتر، يمكن للمستهلكين شراء ما يرغبون فيه دون الحاجة إلى مغادرة منازلهم، ومع ظهور الأنظمة الدفعية الإلكترونية وتطبيقات الشراء أصبح الإنفاق المالي أكثر يسراً وإغراءً، هذه التسهيلات، رغم فوائدها العديدة، تحمل في طياتها خطر زيادة الاستهلاك اللامسؤول وتشجيع عادات شرائية قد تصل إلى حد الإدمان، وهنا تكمن خطورتها، فهي سلاح ذو حدين.

الحل لمواجهة هذا التحدي لا يكمن في الامتناع التام عن الشراء، بل في تنمية وعي استهلاكي يمكّن الفرد من التمييز بين الحاجات والرغبات. الوعي الاستهلاكي يعني أن يكون الفرد قادراً على التفكير بعمق قبل إجراء أي عملية شرائية، معتبراً الآثار المالية والنفسية والبيئية لقراراته الشرائية.

نستطيع تفنيد الحاجات والرغبات بناء على عدة خطوات: أولاً أن يحدد الفرد الأولويات، وهذا يكون بتقييم الحاجة الفعلية للمنتج قبل الشراء، والأمر الثاني الذي لا يقل أهمية هو التخطيط المالي، فالعشوائية هي بداية الفوضى والغرق، ويكون التخطيط المالي بوضع ميزانية والالتزام بها لتجنب الإنفاق الزائد، الأمر الثالث هو البحث والمقارنة، بمعنى استغراق وقت كافٍ في البحث عن السلعة ومقارنتها بالمنتجات المتوفرة للبحث عن بدائل.

يجب أن ندرك أن السعادة والرضا لا يأتيان من خلال الاستهلاك المفرط والشراء اللامتناهي، بل يمكن تحقيقهما من خلال تنمية الوعي الذاتي والاستهلاك المسؤول الذي يضع في الاعتبار الآثار الطويلة الأمد لقراراتنا الشرائية على أنفسنا وعلى المجتمع والبيئة التي نعيش فيها.

 

www.shaimaalmarzooqi.com


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد