نبدأ معاً عزيزي القارئ المتابع مقال الاسبوع، وقد سرني كثيراً متابعي مقالتي وتعليقاتهم عليه وعلى اهميته وأنه موضوع يُطرَقْ لاول مرة الامر.. سرني هذا الاهتمام بالامن الذي- كما تعلمون - هو اساس التنمية والنمو والتطور في كل المجتمعات في العالم خاصة دول مجلس التعاون التي استطاعت ان تسبق عقارب الساعة الى الامام وتقدم نماذج رائعة للتطور والبناء الحضاري في مجتمعاتها ولشعوبها رغم كل ما مر بالمنطقة من حروب وصراعات واحتلالات - ان جاز لي التعبير - ادت في نهاية الامر الى اندثار ونهاية حضارات عربية عريقة في الشام والعراق ومصر واليمن لتصعد دول الخليج العربية نجوم مشعة بالامل الاخير للأمة العربية التي اضناه التعب بعد ان ضاعت بوصلتها وسط الايدولوجيات التي برزت بعد الحرب العالمية الثانية ضاربةً عرض الحائط اسس انتمائها ورسالتها الاسلامية العربية التي حافظت عليها دول مجلس التعاون في ظل اطار مجلس التعاون الذي تم انشاؤه في 25 مايو 1981.
ولانني عايشت قيام مجلس التعاون منذ التأسيس لدرجة ان معالي عبدالله يعقوب بشاره امينه العام لأحد عشر عاماً متواصلة الذي اطلعني على المراحل الاولى من تصاميم شعار المجلس وذلك الزخم والقوة والجدية التي سارت عليه اعماله، الا انني اعتقد ان مجلس التعاون الذي بدأ في الثمانينات من القرن الماضي ليس هو مجلس التعاون الحالي الذي فقد الروح والثقة والعزم والتضامن والكثير الكثير من تطلعات قادته التاريخيين خاصة طموحاتهم واهدافهم والتي من اهمها تنفيذ المادة (4) من النظام الاساسي الصادر في 25 مايو 1981م حين توصل أصحاب الجلالة والسمو قادة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، والمملكة العربية السعودية، وسلطنة عمان، ودولة قطر، ودولة الكويت إلى صيغة تعاونية تضم الدول الست تهدف إلى «تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين دولهم في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها.»
لقد كانت تطلعات القادة المؤسسين واضحةً انطلاقاً من تأكيدها على تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون بين مواطني دول المجلس التى كانت بارزة في ديباجة النظام الأساسي التي شددت ايضاً على ما يربط بين الدول الست من علاقات خاصة وسمات مشتركة وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية وإيمان بالمصير المشترك ووحدة الهدف، وان التعاون فيما بينها إنما يخدم الأهداف السامية لها كدول وللأمة العربية والاسلامية ويخدم الامن والسلم الدوليين.
الا ان تلك الصورة الجميلة لم تكتمل في العديد من المواقف التي مرت في مجلس التعاون وتنتظر التفعيل الذي يحقق مزيداً من الترابط والقوة لهذا الكيان الرائع والامن المطلوب لاستمرار عجلة التقدم:
أولاً: في ديسمبر 2011 دعا الملك عبدالله بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريف رحمه الله في قمة المجلس الاعلى بالرياض الى تنفيذ المادة الرابعة من النظام الاساسي واعلان قيام الاتحاد الخليجي الذي هو امل ورغبة مواطني دول المجلس. وكانت البحرين هي الدولة الوحيدة التي ساندت ودعمت قيام الاتحاد الخليجي في الجلسة المسائية لقادة دول مجلس التعاون في خطاب جلالة الملك المعظم امامها. الا ان الامور لم تمضِ كما هو مطلوب، اذ رأت بقية الدول وعلى رأسها سلطنة عمان والامارات الى تشكيل لجنة من وزراء خارجية دول المجلس لدراسة المقترح السعودي الذي تبخر في زحمة القضايا والمواضيع على جدول اعمال المجلس الوزاري على الرغم من اصرار الامير سعود الفيصل رحمه الله بأن يظل«بند الاتحاد الخليجي» بنداً دائماً على جدول اعمال المجلس الوزاري لحسه السياسي بأن بعض دول المجلس ليس لديها الرغبة في قيام الاتحاد لاسباب مختلفة لينتهي الحلم تحت اقدام المصالح الثنائية والخلافات والمصالح الآنية كما جاء في رؤية الملك المعظم لقادة قمة مجلس التعاون 2008 بالكويت التي أُقرتْ بعد دراستها في قمة ابوظبي 2009. وكان موضوع الاتحاد من اساسيات الامن الخليجي المطلوب لمواجهة كافة التحديات والمخاطر.
ثانيًا: بما ان مجلس التعاون يشكل تكتلاً يشمل نشاطه مجموعة من القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية التي تهم الدول الست الاعضاء التي تشترك في الروابط الثقافة والاجتماعية والجغرافية، وبما انها تتعاون حول تلك الانشطة وتتنافس على أمور أخرى، فانه من الممكن وبعد عودة المياه الى مجاريها ولكي يصبح المجلس هيئة فعالة لمواجهة التحديات المتعددة التي تعصف بالاقليم المحيط بها وبمنطقة الشرق الأوسط، فإن التركيز يكون -كما ارى - على الانشطة غير الخلافية بين دول المجلس خاصة في المجالات التجارية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية وغيرها التي هي اساس انشاء مجلس التعاون كما هو اسمه ( مجلس التعاون ) لان تعزيز دور المجلس في هذه المجالات سوف يعزز الامن والمواطنة الخليجية المتكاملة المطلوبة التي سوف تؤدي في نهاية المطاف الى ترابط اوسع بين شعوب مجلس التعاون، عندها سيكون تحقيق الاتحاد الخليجي امراً محسوماً على المدى البعيد.
وانطلاقاً من مبدأ الامن والاستقرار يأتي الاستقرار الاقتصادي اساس تحقيق الاستقرار الأمني لأي مجتمع من خلال عدد من الاجراءات كتوفير فرص العمل ومعالجة البطالة في المجتمع الى ادني مستوياتها، حيث أظهرت الدراسات بأن البطالة من اخطر السبل التي تؤدي الى الانحراف لدى الشباب الذي يمكن أن يكون طريقاً للافكار والاعمال الارهابية التي تؤدي الى الاخلال بالامن في المجتمعات الخليجية، ويعطي الفرصة للتدخلات الخارجية للعبث بالامن والاستقرار. وللوصول الى تلك الاهداف المهمة التي تعزز مكانته فانه لابد من:
1. دعم الدول الاعضاء للامانة العامة وامينها الجديد وفريقه ولا سيما في هذه المرحلة الهامة التي تمر بها الامانة العامة بعد عودة العلاقات بين دول المجلس الى طبيعتها.
2. ان دعم الامانة العامة سوف يؤدي الى تعزيز مكانتها على المستوى الاقليمي والدولي في المنطقة ويساعدها على فتح قنوات التعاون الاقتصادي والتجاري مع دول الاقليم والدول الصديقة في اوروبا وآسيا والتكتلات الدولية المعروفة كالاتحاد الاوروبي والاسيان وغيرها، خاصة بعد انفراج العلاقات مع ايران وعودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وايران على اسس عدم التدخل في الشؤون الداخلية وحسن الجوار الذي يتطلب اتخاذ خطوات من الجانب الايراني لتعزيز جسور الثقة التي تقوم على اساس محورين اساسيين سيكونان موضوع مقال الاسبوع القادم وكذلك الالتزامات المطلوبة من الجانبين بعد عودة العلاقات مع ايران وانتهاء المقاطعة الرباعية لدولة قطر للوصول الى الاستقرار الدائم في منطقة الخليج العربي.

