يقول الغزالي: كي تنجح في الحياة تحتاج أمرين: الثقة والتجاهل.
حقيقة القليل منا يدركها ويعرفها عن سابق خبرة وتجربة.. إلا أن الأغلبية يجهلونها للأسف.
الثقة يُجمع الكل على أهميتها وضرورتها لتمضي حياتنا كالسكين الحادة، التي لا تنحشر بين أجزاء ما نقطعه.
الثقة تضيف هيبة وجمالاً وإقداماً على صاحبها، شرط ألا تكون هذه الثقة في غير مكانها.. وحجمها.
هناك ثقة مصطنعة فارغة جوفاء، تزيد من ركاكة الإنسان وضعفه وبشاعته، وصولاً إلى شكله المضحك.
فيما الثقة التي هي في مكانها، كالتاج الذي يُميّز الإنسان عن الآخر بمجرد النظر إليه من الخارج.
أما موضوع التجاهل، فهو فن لا يتقنه سوى الحكماء وأصحاب الفكر النيّر، الذين لا يبتغون من وراء هذا التجاهل أي تكبّر أو تعالٍ، لأنه بالنسبة لهم دواء بسيط يعالج بعض العلل النفسية، ويسهل سير الحياة في محيط مجبرون فيه على اللقاء بمن يتجاهلونه بشكل متكرر، وقد يصل إلى الديمومة.
التجاهل لا يعني أبداً الكره أو الاحتقار أو أي شعور من هذا القبيل، بل إنه ممارسة نفسية.. للحفاظ على ما هو موجود من محبة واعتزاز في النفس وعدم فقدهما.
التجاهل يقينا من التصادم أو الاحتكاك، الذي قد يتولد عنه مزيد من السلبيات في هذه العلاقة الاجتماعية.. فيزيد البعد والجفاء.
التجاهل فن أكثر مما هو سلوك يمارسه البعض، وأسلوب التجاهل الخاطئ يدفع وبكل وضوح إلى خسارة النتائج، فتأتي النتائج عكسية تماماً.
التجاهل الصحي يولد الثقة بالنفس، والثقة هي مصدر هذا النوع من التجاهل.
هل نحن ممن يتقن التجاهل الصحي، لأننا نتمتع بثقة صحيحة مبنية على ركائز ثابتة وقوية، وواضحة؟
إذا لم نصل إلى هذا المستوى من فن التجاهل، فسنبدو مهلهلي الثقة، وشكلنا يثير الشفقة.
لا تعبّر عن ثقتك بنفسك إلا إذا كنت مدركاً لهذه الثقة وأصولها وفنها.
أما إذا كنت دون ذلك، فرحم الله امرأً عرف قدر نفسه.

