في حزن واضح داخل كنيسة المهد وسط مدينة بيت لحم في الضفة الغربية، قُرعت الأجراس وأقيمت الصلوات من أجل إنتهاء الحرب في قطاع غزة.
وكانت البطريركية ورؤساء كنائس مدينة القدس قد أعلنوا جميعا إلغاء الإحتفالات كافة بأعياد الميلاد للطوائف المسيحية لهذا العام مع الإبقاء على الصلوات والشعائر الدينية، في مشهد هو الأول من نوعه منذ أكثر من عقدين في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.
"الطفل يسوع بين الركام "
يبدو مجسم الطفل يسوع المسيح حزينا بين قطع اسمنتية ترمز للدمار وركام الحرب، وذلك بعدما استبدلت به الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في مدينة بيت لحم شجرة عيد الميلاد، وعوضا عن الأضواء والزينة الجميلة للشجرة، لفَّت مجسم الطفل يسوع المسيح بالكوفية الفلسطينية وأغصان شجرة الزيتون وأصبح محاطا بالردم والركام .
تحدثتُ مع القس في الكنيسة اللوثرية في الأردن والأراضي المقدسة، منذر إسحق، فشرح لي كيف استوحى ومعه أهالي المدينة فكرة مغارة الميلاد من الحرب الدامية وما وصفها بالإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وقال لي :" في ظل الحرب وبينما يعيش أطفالنا تحت القصف والركام وبيوتنا مهدمة وعائلاتنا مشردة، نعتقد لو ولد السيد المسيح اليوم سيولد تحت الركام في غزة تضامنا مع هؤلاء الاطفال، معنى الميلاد الحقيقي هو ميلاد المسيح مع المهمشين وتضامنه مع المتألمين والمظلومين ".
ويقول القس إسحق إن "عاصمة الميلاد" بيت لحم ترسل هذا العام رسائل مختلفة بمناسبة عيد الميلاد : رسالة عزاء للفلسطينيين في قطاع غزة، ورسالة أخرى للعالم بأسره لوقف قتل الأطفال والأبرياء ووقف الحرب فورا.
منازل خالية من شجرة الميلاد
فقدت الفلسطينية، شيرين هيلانة، خالتها بالقصف الإسرائيلي مطلع الشهر الجاري الذي استهدف الكنيسة الأرثوذكسية شمالي قطاع غزة، وتصلي شيرين يوميا لروح خالتها ومن كانوا معها في غزة .
توقعتُ أن أجد شيرين تحضر لأعياد الميلاد وزينة الشجرة في منزلها، لكنني التقيتها في إحدى كنائس مدينة بيت لحم وقالت لي شيرين: "العيد ليس فقط بالهدايا ومظاهر الفرح، في هذه السنة فهمت المعنى الحقيقي لعيد الميلاد ، ألا وهو أن نشعر ونتألم مع الناس المضطهدة والمظلومة، أصلي كل يوم وأضيء الشموع لمن فقدت من أهلي ولكل القتلى الفلسطينيين في غزة ، وآمل أن تنتهي الحرب وأن يكون العيد بالفعل موسما للسلام والطمأنينة ."
وقالت لي الفلسطينية هيلانة إنها تخصص جل وقتها مع أفراد عائلتها في بيت لحم، لمتابعة الأخبار والاطمئنان على الأهل والأصدقاء في غزة، وسط قلق يتنامى كل يوم مع استمرار الحرب في القطاع .
وخلال تجولي في بيت لحم، التقيت بالفلسطيني إلياس النجار وهو من عائلة غزية بالأصل، حدثني عن قلقه الدائم على شقيقه الذي أصيب في الغارات الإسرائيلية في غزة خلال الحرب.
حاول إلياس الإتصال بشقيقه عدة مرات دون جدوى، وشرح لي صعوبة التواصل مع أقاربه منذ نحو 3 أشهر، أي خلال أشهر الحرب، وأضاف إلياس قائلا :"أمام الظروف القاسية وغير الإنسانية المحيطة فينا لا نشعر بأي بهجة ولا رغبة للإحتفال بالعيد، لذلك لم نضع شجرة ولا زينة العيد في منزلنا، أنا أتمنى فعلا في ليلة الميلاد أن تتوقف الحرب وأن تمسح الدموع بهذا العيد وتندمل الجراح وتحمى الأرواح في غزة، وبعد ذلك نستطيع التحدث عن السلام والأمان في العالم، وسط هذا الالم لدينا رجاء بمستقبل أفضل ."
شوارع بدون زينة
غابت زينة الأعياد عن شوارع بيت لحم التي اعتدت أن أزورها في هذا الوقت من كل عام ، وكنت أجدها في أبهى حلتها وزينتها استعدادا لمواسم أعياد الميلاد للطوائف المسيحية كافة، لكن من الواضح أن أحوال المدينة تغيرت كثيرا.
شهدت بيت لحم منذ بداية العام، كغيرها من مدن الضفة الغربية ، اقتحامات عسكرية ومواجهات مع الجيش الاسرائيلي أسفرت عن قتل 12 فلسطيني، وشيعت جنازاتهم وسط حزن وغضب متزايد خيم على أجواء المدينة .
وخلت شوارع وأحياء بيت لحم كذلك من حشود الحجاج والزوار في موسم تعده الغالبية مصدر فرح وأمل بأن يعم السلام العالم وتعود الحياة إلى مختلف القطاعات الحياتية في المدينة.