تدق أجراس كنيسة المهد في مدينة بيت لحم، وتُضاء شموعها، في أجواء خاوية من أي مظاهر احتفالية.
تغيب الفرحة، وتخلو الكنيسة من زوارها، وتقتصر الصلاة فيها على كهنتها وبضعة سكان محليين؛ تحمل صلاتهم دعوات للفلسطينيين في قطاع غزة.
دخلنا من باب الكنيسة الضيق، لنرى أروقتها خالية تماما من المصلين والزوار، خلافا للأجواء المعتادة في فترة أعياد الميلاد.
وقال الكاهن عيسى ثلجية أثناء لقائنا به داخل الكنيسة، ووجهه يعبر عن حزن شديد بسبب ما تمر به الأراضي الفلسطينية: " رسالتي لرؤساء العالم، أن تتجه أنظارهم إلى مدينة بيت لحم، وإلى الظلم الذي يعيشه الفلسطينيون، من صعوبات وتحديات وحرب ودمار".
وأضاف أن الجميع يشعر بالحزن، وخاصة أطفال بيت لحم، لأنه وبهذا الوقت تحديدا، كانت ساحة الكنيسة تشهد فعاليات، تشمل إضاءة شجرة الميلاد، وعزفا للموسيقى وتوزيعا للهدايا.
من "التغريبة" إلى "أنا القدس" كيف تناولت الدراما العربية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟
عيد الميلاد: قافلة الكريسماس تبشر بيت لحم بموسم الأعياد
عيد ميلاد المسيح: لماذا يُحتفل به في تواريخ مختلفة؟
وخلال زيارتنا وجدنا مقاعد الكنيسة مكدسة على أحد جوانبها، في وقت لا يكاد يدخل من أبوابها أي مصلٍ أو سائح.
خرجنا من باب الكنيسة الضيق، إلى ما يُعرف بساحة المهد. وكأحد المترددين على المدينة بشكل اعتيادي في هذه الفترة من كل عام، كان مشهد الهدوء والفراغ واضحا.
فساحة المهد تعج عادة في هذا الوقت من العام بالزوار، ممن كان عددهم يصل، بحسب إحصاءات وزارة السياحة الفلسطينية، إلى نحو 900 ألف شخص.
شجرة الميلاد الكبيرة، كانت عنوانا واضحا لمظاهر الاحتفال في الساحة. وفي هذه المرة، لم يتم تزيين تلك الساحة بأي من مظاهر الزينة المعتادة، بسبب قرار الطوائف المسيحية، إلغاء احتفالات عيد الميلاد، في كل مدن الضفة الغربية المحتلة.
وفي مكان ليس ببعيد عن الكنيسة، يقع أحد أقدم مسارح المدينة، مسرح عِناد.
يفتح لنا الفنان خالد المصو، وهو مدير المسرح، أبوابه، التي كان يجري وراءها في هذا الوقت من كل عام، تدريبات وتحضيرات، لـمسرحيات وعروض عيد الميلاد، وخاصة تلك الموجهة للأطفال.
" في عام 1987 تحديدا منذ اندلاع الانتفاضة الأولى، أصبح هذا المسرح أداة من أدوات التحدي، لإيصال الصوت الفلسطيني إلى العالم".
هذا ما قاله لنا خالد، معربا عن حزنه على عدم إجراء أي عروض مسرحية للأطفال في هذا العام، وذلك في الوقت الذي يوجد فيه – كما قال – "أطفال تحت الركام في قطاع غزة".
يركز مسرح عِناد على تدريب الأطفال، إذ يعتبر القائمون عليه أن الفن يمثل أداة تعليمية وتثقيفية، بالاضافة إلى كونه وسيلة لإدخال الفرحة إلى قلوب الصغار.
تجولنا في غرف المسرح. هدوء في المكان، وصناديق مغلقة، وملابس خاصة بأعياد الميلاد والعروض المسرحية، كلها مكدسة في المخازن.
سألنا خالد عن شعوره وهو يتفقد أغراض العيد، التي لم ولن تفتح هذا العالم، فقال: "في قمة القهر، لأن وظيفتنا كفنانين أن نصنع الفرح، وعندما يقف الفنان عاجزا عن صناعة الفرح، وحينما أغلق الصندوق الخاص بالملابس والأنشطة والفعاليات، يكون الشعور قاسيا جدا".
يتساءل المصو بحزن، عن أي عروض يمكن أن تُقدم للأطفال، وما الذي يمكن أن يقوله الفنانون أمام ما يحدث في قطاع غزة.
وختم الفنان المسرحي الفلسطيني كلامه بالقول إن "الأمل موجود، وإن الشعب الفلسطيني قوي وصاحب قضية.. ولا يزال قائما على أرضه".