شهدت الحجوزات السياحية انخفاضا حادا في كل من مصر والأردن ولبنان منذ بدء الحرب بين غزة وإسرائيل قبل أكثر من شهر.
تحدثنا إلى 12 شركة سياحية في مصر والأردن وقالوا إن حجوزات الفنادق ورحلات الطيران وبرامج الترفيه السياحية من خلالهم انخفضت بنسبة تتراوح من 50 إلى 90 في المئة. بينما قال اثنان من مشغلي الرحلات السياحية الخاصة بلبنان إن عملهم متوقف بشكل كامل الآن.
أجمع من تحدثنا إليهم في الدول الثلاث أن السياح، خاصة القادمين من أوروبا والولايات المتحدة، يعتبرون الشرق الأوسط منطقة واحدة، ودائما ما يسأل السياح قبل إلغاء حجوزاتهم "هل الوضع آمن عندكم؟"
لماذا هذه الدول الثلاث؟
بسبب القرب الجغرافي، فمصر والأردن ولبنان تتشارك حدودا مع غزة أو إسرائيل أو كلاهما معا. كما أن هناك تخوفا من أن يتسرب القتال إلى داخل هذه الدول كما هو الحال في هجمات حزب الله على مواقع إسرائيلية جنوب لبنان، والضربات العسكرية التي أصابت مواقع مصرية "بالخطأ" على الحدود مع إسرائيل.
يذكر أن حماس شنت في الساعات الأولى من يوم السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول هجوما غير مسبوق على إسرائيل قتلت فيه ما يقدر بـ 1200 شخص حسب ما تقول السلطات الإسرائيلية.
وبحسب تقرير نشرته مؤخرا وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتمان فإن هذه الدول الثلاث ( مصر ولبنان والأردن ) قد تخسر ما بين 10 إلى 70 في المئة من عائدات السياحة إذا تفاقمت الحرب بين حماس وإسرائيل أو اتسعت رقعتها أو طال أمد المعارك.
مصر
تحدثنا مع ست شركات سياحية في مصر، موزعة بين القاهرة ومدينة الغردقة على البحر الأحمر ومحافظة أسوان جنوبي البلاد وقالت جميعها إنها تعاني من إلغاء في الحجوزات بنسبة تزيد على 50 في المئة منذ الشهر الماضي.
عادة ما تزدهر السياحة الشتوية في مصر مع مطلع نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، حيث يتوجه السياح للمدن الساحلية بشبه جزيرة سيناء والبحر الأحمر، بالإضافة لمدينتي الأقصر وأسوان جنوبي البلاد والمعروفة جميعا بدفئ الجو في هذا الوقت من العام.
ولنطلع عن قرب على الوضع في المدينتين، تحدثنا مع عادل فوزي، الذي يعمل بأحد فنادق أسوان وقال لنا إن الكثير من الفنادق والمطاعم فارغة في المدينة حاليا مع إلغاء السياح لحجوزاتهم.
ويضيف عادل أن سكان الأقصر وأسوان ينتظرون موسم الشتاء كل عام لتحسين دخلهم "لكن العمال أصحاب العقود المؤقتة في الفنادق الصغيرة لا تُجدد عقودهم الآن عند انتهائها".
كما أن المدينتين تستعينان في العادة بطباخين ومديرين ومقدمي خدمات من محافظات مختلفة في هذا الموسم خاصة ممن يتحدثون لغات أجنبية، لكن الآن قلت أعدادهم بشكل كبير مع تناقص السياح، بحسب عادل.
أما عزت رأفت، الذي ينظم رحلات سياحية في نهر النيل، فيقول إنه في هذا الوقت كل عام، كان أقل عدد يستقل مركبه في الرحلة الواحدة نحو 85 سائح، أما الآن فالمركب يخرج حاملا نحو 13 فردا فقط، ويضطر لتشغيله وإلا سيخسر رزقه بالكامل، كما يقول. ويضيف أن معظم من يلغون حجوزاتهم هم السياح الأوروبيون والأمريكيون.
حادثة الإسكندرية
في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبعد يوم من بدء عملية طوفان الأقصى كما تسميها حركة حماس أو السيوف الحديدية كما تسميها إسرائيل، أطلق شرطي مصري النار على أحد الأفواج السياحية الإسرائيلية بمزار عامود السواري بالإسكندرية ما أدى لمقتل سائحين إسرائيليين ومرشد سياحي مصري.
دعت السفارة الأمريكية بعدها مواطنيها في مصر لتوخي الحذر، وقالت إن "الحادث قد يكون مرتبطا بالأعمال العدائية المستمرة في غزة وإسرائيل".
بعد الحادث بنحو شهر، أعلن وزير السياحة المصري، أحمد عيسى، تقديم البلاد حوافز لكل رحلة طيران تهبط في مدينة شرم الشيخ على البحر الأحمر لدعم قطاع السياحة، مؤكدا أن تأثير الحرب الحالية على الحجوزات في مصر "لا يتجاوز 10 في المئة".
يشغل قطاع السياحة في مصر نحو 3 ملايين عامل، ويمثل موردا هاما للعملة الصعبة للبلاد التي تعاني من أزمة ديون خانقة، حيث يجب أن تسدد مصر نحو 14 مليار دولار كديون خارجية خلال النصف الأول من العام المقبل، ما يجعل تراجع موسم السياحة الشتوي الذي يستمر حتى مارس/آذار المقبل، تحديا كبيرا.
الأردن
تحدثنا لست شركات سياحية في الأردن تسير رحلات في عمان والعقبة والبحر الميت، وأجمعت تلك الشركات على أن نسبة إلغاء الحجوزات السياحية خلال الشهر الماضي بلغت أكثر من 65 في المئة. وقالت بعض تلك الشركات إن النسبة تعدت 90 في المئة لفئات معينه من السياح.
فيقول نضال بن عيسى، مالك إحدى شركات السياحة والسفر الأردنية، إن السياح من السوق الأميركي والكندي والهندي والماليزي تجاوزت نسبة إلغاء حجوزاتهم 95 في المئة لأنهم بالعادة يشاركون في "الكومبايند تورز" وهي الرحلات التي تشمل الأردن وفلسطين معا.
بينما السوق الأوروبي، بحسب نضال، بلغت نسبة إلغاء حجوزاته 65 في المئة، ويتابع أن أغلب المجموعات السياحية التي تقوم بالإلغاء تتحدث عن مخاوفها "بسبب الأخبار المتداولة، وموقع الأردن الحدودي مع فلسطين، والمظاهرات الداعمة لغزة".
وتخرج تظاهرات حاشدة باستمرار في العاصمة عمان ومدن أردنية أخرى منذ بدء الحرب في قطاع غزة، ويهتف المحتجون دعما لغزة ومطالبة السلطات الأردنية بفتح الطرق المؤدية لمنطقة الأغوار الحدودية مع الأراضي الفلسطينية.
ويشارك الأردن من ناحية الغرب شريطا حدوديا يصل إلى مئات الكيلومترات مع الضفة الغربية وإسرائيل، وكثيرا ما تصل مسيرات لأردنيين إلى محافظة الكرك ومنطقة الأغوار الحدودية مع الضفة الغربية في جولات التصعيد السابقة بين غزة وإسرائيل.
لبنان
عادة خلال هذه الفترة من كل عام تنشط الحجوزات السياحية في لبنان تزامناً مع موسم الأعياد الذي يبدأ مطلع شهر ديسمبر/كانون الأول، إلا أن نسبة الحجوزات في الفنادق تراجعت منذ بدء الحرب في غزة لتصل إلى 5 في المئة أو 7 في المئة، بحسب رئيس المجلس الوطني للسياحة في لبنان، بيار الأشقر.
تحدثنا مع إيهاب الساحلي وجيلبر أبو شعر، وكلاهما لبنانيان يعملان في تسيير رحلات سياحية خاصة ببيروت ومدن أخرى، وقالا إن عملهما الآن متوقف بشكل كامل.
يقول الساحلي إن دخله الذي كان يجاوز 1000 دولار شهريا هو الآن صفر بسبب إلغاء السياح لحجوزاتهم. أما أبو شعر فيقول إنه مع بداية الحرب في السابع من أكتوبر تشرين الأول كان السياح يتصلون به بشكل يومي ليسألوه هل الوضع آمن عندك؟ فكان يرد أن الوضع مستقر ببيروت أما التوتر فهو فقط في الجنوب، فكان البعض يأتي والآخر يلغي الحجز، أما الآن فالكل عازف عن المجيء إلى لبنان، كما يقول أبو شعر.
ويتبادل حزب الله اللبناني إطلاق النار مع الجيش الإسرائيلي على طول الحدود منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأدى ذلك لسقوط قتلى من الجانبين وإخلاء إسرائيل لعشرات المساكن على الحدود مع لبنان.
وبعد أيام من بدء تبادل إطلاق النار نشرت عدة دول من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وكندا وإسبانيا وأستراليا تحذيرا إلى مواطنيها من السفر إلى لبنان.
وأعلنت شركة طيران الشرق الأوسط، الناقل الوطني اللبناني، تشغيل ثلث أسطول طائراتها فقط في لبنان ونقل باقي الطائرات لمطارات خارج البلاد بسبب الوضع المتوتر في الجنوب.