: آخر تحديث
"طفلتي لا تحمل اسماً حتى الآن بسبب الحرب"

قصص ومعاناة ترويها النساء عن الولادة تحت القصف في غزة

33
33
39
مواضيع ذات صلة

"طفلتي لا تحمل اسماً حتى الآن بسبب الحرب. إنها تبلغ من العمر أربعة أيام"، هذا ما تقوله كفاية أبو عاصر.

تحمل كفاية، الجالسة على حصيرة من القش في إحدى زوايا ملجأ بإحدى المدارس التابعة للأمم المتحدة في رفح جنوبي قطاع غزة، في حجرها طفلتها الملفوفة ببطانية حمراء اللون.

التعب والإرهاق يبدوان على وجهها، فالإنجاب للمرة الأولى وتحمل دور الأم هو أمر صعب في أي مكان في العالم، لكن كفاية كان عليها أن تفعل ذلك في ظل صدمة لا يمكن تخيلها.

فهذه المرأة البالغة من العمر 24 عاماً والقادمة في الأصل من شمالي غزة، نزحت من بيتها مع عائلتها بعد أن حذّر الجيش الإسرائيلي المدنيين من البقاء في منازلهم، وطلب منهم التوجه إلى جنوبي القطاع من أجل سلامتهم.

كانت كفاية في الشهر الأخير من حملها، وقالت لصحفي مستقل يعمل في غزة لصالح بي بي سي: "اضطررت للركض والهرب من مكان لآخر، وكنت مرهقة تماماً. في البداية ذهبنا إلى مخيم النصيرات، ولكن وقع قصف بالقرب من مكان وجودنا، حيث شاهدت جثثاً أصبحت أشلاء وكان الوضع صعباً للغاية".

كفاية وعائلتها هم من بين مئات آلاف الأشخاص الذين نزحوا من شمالي غزة، واضطرت على غرار الكثيرين إلى المشي لمسافة أميال، قلقة طوال الوقت من أن تتعرض للقصف.

وتقول: "كان الوضع خطيراً جداً على طفلتي التي لم تولد بعد، وكنت خائفة طوال الوقت".

وصلت العائلة أخيراً إلى المستشفى الكويتي في مدينة رفح، لكن قسم الولادة في المستشفى كان مغلقاً، ونُقلت كفاية بعد ذلك إلى المستشفى الإماراتي المجاور.

تقول كفاية: "كان الأمر صعباً للغاية، فعدد النساء اللواتي كنّ في حالة وضع كان كبيراً جداً. كن يفدن من مختلف مناطق غزة، من الشمال إلى الجنوب ومن كل مكان بينهما".

وتضيف: "كان هناك نقص في مسكنات الألم، لذلك اقتصر استخدامها على حالات الألم الذي لا يطاق، ولأولئك الأكثر احتياجاً إليها".

لقد ولدت كفاية طفلتها من دون استخدام مسكنات للألم.

طفل من الخدج في أحد مستشفيات غزة
BBC
حذرت منظمة الصحة العالمية من أن الوفيات في صفوف النساء عند الولادة، من المتوقع أن تزداد نظراً لعدم حصول النساء على الرعاية الكافية

وقالت الأمم المتحدة إن النظام الصحي في قطاع غزة في حالة "انهيار تام" وإن ثُلث المستشفيات قد خرج عن الخدمة، الأمر الذي يزيد من الضغط على المرافق الصحية التي لا تزال تعمل.

وتقدّر الأمم المتحدة أن حوالي 50,000 امرأة حامل تأثرت بهذا الصراع، وعلى الرغم من حالة المستشفيات، إلا أنه من المتوقع أن تُجرى 160 عملية توليد تقريباً كل يوم.

وحُرمت الكثير من النساء الحوامل من خدمات الولادة الآمنة، في ظل اكتظاظ المستشفيات بالمصابين ونفاد الوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية ونقص الأدوية واللوازم الأساسية، ومن بينها اللوازم الخاصة بإدارة حالات الولادة الطارئة.

وكانت عُلا أبو عوالي واحدة من أولئك النساء المحرومات.

تقول عُلا لمجدي فتحي، وهو صحفي مستقل يعمل لصالح بي بي سي في قطاع غزة: "طفلي يبلغ من العمر أسبوعين. لقد وُلد خلال الحرب، هنا بهذا المكان في المدرسة".

ولدى عُلا ابن آخر، وجميعهم يعيشون الآن في مدرسة مكتظة تابعة للأمم المتحدة في رفح.

وتقول: "طفلاي يعانيان من المرض، بطونهم منتخفة ويعانيان من إسهال شديد. وفي كل مرة أرضع طفلي من صدري، يتقيأ. واضطررت إلى أخذ طفلي الآخر إلى المستشفى ثلاث مرات من أجل إعطائه العلاج بالوريد، لكن حالته لم تتحسن".

ويعتبر الحصول على المياه النظيفة أحد أكبر التحديات التي تواجه النازحين في غزة. وتقول الأمم المتحدة إن حصة الفرد من المياه لا تتجاوز ثلاثة لترات في اليوم لتلبية كافة احتياجاته.

وتقول عُلا: "ليس لدينا ماء على الإطلاق، ولا يوجد حليب لطفلي. كمان أن وضع المراحيض لا يُحتمل، فهناك رائحة كريهة وعلينا انتظار الدور لاستخدامها".

وفاء يوسف مع طفليها
BBC
تقول وفاء يوسف فخري أحمد إنها اضطرت مع عائلتها لشرب مياه البحر، أثناء نزوحهم من شمالي غزة

وتحتمي وفاء يوسف فخري أحمد بالمدرسة نفسها التي لجأت إليها عُلا.

وتقول وفاء: "أنا حامل وأخاف على حياة جنيني. اقترب موعد ولادتي وأنا قلقة بخصوص البيئة التي أعيش فيها، ومن الإصابة بالأمراض، ليس لدينا مياه لأغراض النظافة الأساسية".

وفاء من سكان بيت حانون، بالقرب من الحدود الشمالية لقطاع غزة، وانتقلت هي الأخرى من مكان لآخر بحثاً عن الأمان.

وتقول: "في البداية، ذهبنا إلى مدرسة في منطقة المعسكر، ثم طُلب منا مغادرة المكان أيضاً، ولذا توجهنا إلى أقصى الجنوب. لقد استخدمنا العربات والحمير في بعض الأوقات، لكن معظم الطريق كان سيرا على الأقدام. لم يكن معنا ماء للشرب، وبالتالي كان الخيار الوحيد أمامنا هو أن نشرب من ماء البحر، لقد جاهد زوجي من أجل الحصول على عبوة ماء واحدة لكي نشرب منها".

وتقول منظمة الصحة العالمية إنه من المتوقع أن تزداد أعداد الوفيات في صفوف الأمهات عند الولادة، بالنظر إلى غياب إمكانية الحصول على الرعاية الكافية. وتقول المنظمة أيضا إن الحرب لها عواقب مباشرة وقاتلة على النساء الحوامل، مع ارتفاع حالات الإجهاض الناجمة عن الإجهاد والتوتر، وحالات الوفاة للأجنة والولادات المبكرة.

أسماء هي من سكان مدينة غزة وتعيش الآن مع أطفالها الثلاثة في خيمة داخل ساحة مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة.

وأسماء امرأة حامل، وقبل إجبارها على الرحيل عن منزلها، كانت قد ذهبت إلى مستشفى الشفاء في مدينة غزة من أجل إجراء فحوص طبية.

تقول أسماء: "تسبب صوت القصف المتواصل بإجهاض حمل العديد من النساء في مستشفى الشفاء، وأنا قلقة للغاية على طفلي ومتخوفة من التعرض للإجهاض. أصبح النهوض من النوم وعظامي تؤلمني حقيقة يومية، فنحن معرضون لظروف غير صحية، ولقد شاهدنا مراراً مناظر محزنة لجثث أشخاص قتلوا."

وتقول أسماء إنها مرهقة وتريد للقتال أن يتوقف.

وتنهي حديثها بالقول: "أدعو إلى وقف لإطلاق النار، فما الذنب الذي اقترفه الأطفال لكي يعانوا إلى هذا الحد؟ وما ذنب طفلي الذي لم يأت إلى الحياة بعد؟"


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في أخبار