الرباط: دافع العاهل المغربي الملك محمد السادس بقوة عن التوجه الأفريقي للمغرب، مشيرًا في خطاب ألقاه اليوم بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ64 لثورة الملك والشعب ، إلى أن "التزام المغرب بالدفاع عن قضايا ومصالح أفريقيا ليس وليد اليوم. بل هو نهج راسخ ورثناه عن أجدادنا، ونواصل توطيده بكل ثقة واعتزاز".
ورد العاهل المغربي في خطابه على الانتقادات التي توجه لسياسة المغرب الأفريقية، سواء تلك التي تدعي أن التوجه الأفريقي يتم على حساب المغرب، أو تلك التي تحصر أهداف هذا التوجه في السعي لتحقيق مكاسب دبلوماسية آنية من قبيل العودة للإتحاد الأفريقي.
وربط العاهل المغربي سياسة بلده الأفريقية بنهج ثابث للمغرب في هذا المجال مند أيام النضال الوطني، وما شكلته ثورة الملك والشعب بقيادة جده السلطان محمد الخامس ضد الاستعمار من مصدر إلهام ودعم لقوى التحرر في أفريقيا، مذكراً بالمحطات التاريخية الكبرى لسياسة المغرب في أفريقيا منذ ذلك الحين.
وقال الملك محمد السادس: "إن توجه المغرب نحو أفريقيا لم يكن قرارًا عفويًا، ولم تفرضه حسابات ظرفية عابرة، بل هو وفاء لهذا التاريخ المشترك، وإيمان صادق بوحدة المصير".
وأوضح العاهل المغربي أنه اختار "نهج سياسة تضامنية، وإقامة شراكات متوازنة، على أساس الاحترام المتبادل، وتحقيق النفع المشترك للشعوب الأفريقية".
وحول خصوصية المقاربة المغربية للعلاقات مع أفريقيا مقارنة بما دأبت عليه قوى إقليمية أخرى، أوضح العاهل المغربي أن "المغرب، لم ينهج يومًا سياسة تقديم الأموال، وإنما اختار وضع خبرته وتجربته، رهن إشارة إخواننا الأفارقة، لأننا نؤمن بأن المال لا يدوم، وأن المعرفة باقية لا تزول، وهي التي تنفع الشعوب. وهم (أي الأفارقة) يعرفون ذلك، ويطلبون من المغرب التعاون معهم، ودعم جهودهم في العديد من المجالات، وليس العكس. كما يدركون حرصنا على بناء شراكات مثمرة معهم، تقوم على استثمارات وبرامج تنموية مضبوطة، بين القطاعين العام والخاص، في الدول المعنية".
وفي رده على الإنتقادات التي تحاول وضع التوجه الأفريقي في تعارض مع مصالح المغاربة، قال العاهل المغربي "أما الذين يعرفون الحقيقة، ويروجون للمغالطات، بأن المغرب يصرف أموالاً باهظة على أفريقيا، بدل صرفها على المغاربة، فهم لا يريدون مصلحة البلاد. فتوجه المغرب إلى أفريقيا، لن يغيّر من مواقفنا، ولن يكون على حساب الأسبقيات الوطنية. بل سيشكل قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، وسيساهم في تعزيز العلاقات مع العمق الأفريقي".
وأضاف العاهل المغربي قائلا "ومن أهملها (أي أفريقيا)، أو قلل من مكانتها، بعدم الاهتمام بقضاياها أو بسياسة شراء المواقف، فهذه مشكلة تخصه وحده. أما بالنسبة لنا، فأفريقيا هي المستقبل، والمستقبل يبدأ من اليوم".
وأشار العاهل المغربي، من جانب آخر، إلى أن هذا التوجه الأفريقي "كان له أثر إيجابي ومباشر، على قضية وحدتنا الترابية، سواء في مواقف الدول، أو في قرارات الاتحاد الأفريقي. وهو ما عزز الدينامية التي يعرفها هذا الملف، على مستوى الأمم المتحدة".
وأشار العاهل المغربي إلى أنه "إذا كانت 2016 سنة الحزم والصرامة، وربط القول بالفعل، في التعامل مع المناورات التي كانت تستهدف النيل من حقوقنا، فإن 2017 هي سنة الوضوح والرجوع إلى مبادئ ومرجعيات تسوية هذا النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء. وقد مكن هذا النهج الحازم والواضح من وضع مسار التسوية الأممي على الطريق الصحيح، ومن الوقوف أمام المناورات التي تحاول الانحراف به إلى المجهول.
وهو ما أكده تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، وقرار مجلس الأمن في ابريل الماضي، سواء في ما يخص الالتزام بمرجعيات التسوية، وتثمين مبادرة الحكم الذاتي، كإطار للتفاوض، أو في تحديد المسؤوليات القانونية والسياسية للطرف الحقيقي في هذا النزاع الإقليمي".
ونوه العاهل المغربي بالطريقة الحكيمة والرزينة التي أدارت بها الدبلوماسية المغربية أزمة "الكركرات" في المنطقة العازلة على الحدود مع موريتانيا عند احتلالهامن طرف مسلحين تابعين لجبهة البوليساريو . وقال "مكن تدبير أزمة الكركرات، بطريقة استباقية، هادئة وحازمة، من إفشال محاولات تغيير الوضع بصحرائنا، ومن دفن وهم (الأراضي المحررة)، التي يروج لها أعداء المغرب.
وبموازاة مع ذلك،يضيف ملك المغرب" يتواصل الدعم الدولي لمقترح الحكم الذاتي، سواء من خلال تزايد عدد الدول التي سحبت الاعتراف بكيان وهمي أو عبر التسوية القانونية للشراكة الاقتصادية التي تربط المغرب بالعديد من القوى الكبرى".
وأكد العاهل المغربي أن التوجه الإفريقي للمغرب هو "ثمرة تفكير عميق وواقعي تحكمه رؤية استراتيجية اندماجية بعيدة المدى، وفق مقاربة تدريجية تقوم على التوافق"، مشيرا إلى أن سياسته الإفريقية ترتكز على "معرفة دقيقة بالواقع الإفريقي، أكدتها أكثر من خمسين زيارة قمنا بها لأزيد من تسعة وعشرين دولة، منها أربعة عشر دولة، منذ أكتوبر الماضي، وعلى المصالح المشتركة، من خلال شراكات تضامنية رابح-رابح".
وأوضح العاهل المغربي أن خير مثال على هذه المقاربة يتجلى في "المشاريع التنموية الكبرى التي أطلقناها، كأنبوب الغاز الأطلسي نيجيريا-المغرب، وبناء مركبات لإنتاج الأسمدة بكل من إثيوبيا ونيجيريا، وكذا إنجاز برامج التنمية البشرية لتحسين ظروف عيش المواطن الإفريقي، كالمرافق الصحية ومؤسسات التكوين المهني وقرى الصيادين"، مضيفا أن هذه السياسة "تكللت بتعزيز شراكاتنا الاقتصادية، ورجوع المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، والموافقة المبدئية على انضمامه للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا".
وقال الملك محمد السادس، موجها كلامه للخصوم الذين يبخسون عمل المغرب ومجهوده الإفريقي، "من يعتقد أننا قمنا بكل ذلك، فقط من أجل العودة إلى الاتحاد الإفريقي، فهو لا يعرفني. إن الوقت الآن، هو وقت العمل. والمغرب حريص على مواصلة الجهود التي يقوم بها داخل قارته منذ أكثر من خمسة عشر سنة. وهنا يجب التأكيد بأن رجوع المغرب إلى مؤسسته القارية لن يؤثر على علاقاته الثنائية القوية مع بلدانها وعلى البرامج التنموية التي وضعها معها. فهذا الرجوع، ليس إلا بداية لمرحلة جديدة من العمل مع جميع الدول من أجل تحقيق شراكة تضامنية حقيقية، والنهوض الجماعي بتنمية قارتنا والاستجابة لحاجيات المواطن الإفريقي. إننا بصدد بناء إفريقيا واثقة من نفسها، متضامنة ومجتمعة حول مشاريع ملموسة، ومنفتحة على محيطها. وهو نفس المنظور التكاملي، الذي دفع المملكة لإضفاء طابع رسمي، على رغبتها في الانضمام إلى المجموعة الاقتصادية، لدول غرب إفريقيا".
واعتبر الملك محمد السادس أن رجوع المغرب إلى الاتحاد الإفريقي شكل منعطفا دبلوماسيا مهما في السياسة الخارجية للمغرب، مشيرا إلى أنه مثل "نجاحا كبيرا لتوجهنا الإفريقي رغم العراقيل التي حاول البعض وضعها في طريقنا. وهو أيضا شهادة من أشقائنا الأفارقة على مصداقية المغرب ومكانته المتميزة لديهم". وخلص العاهل المغربي الى القول "وإذا كان هذا الرجوع مهما وحاسما، إلا أنه ليس غاية في حد ذاته. فإفريقيا كانت وستظل في مقدمة أسبقياتنا. وما يهمنا هو تقدمها وخدمة المواطن الإفريقي".