: آخر تحديث
المال عامل حاسم في ميل الإناث للذكور والعكس صحيح

تأخر سن الزواج بالمغرب ... اختيار أم ظروف قاهرة؟

285
304
271
مواضيع ذات صلة

نادية عماري من الرباط: الزواج اتفاق تعاقدي في اتجاه تكوين الأسر وبناء المجتمعات على اختلافها، وهو رباط مقدس يجمع بين طرفين اختارا إتمام مسارهما سوية واقتسام الحزن قبل الفرح، ليكونا سندا لبعضهما في الحياة المشتركة التي تجمعهما، بهدف تكوين أسرة مستقرة.

ومع التطورات التي يشهدها المجتمع المغربي، أضحى التأخر في سن الزواج مسألة طبيعية لدى فتيات ورجال اختاروا التروي والتريث في اختيار شريك الحياة المناسب، علاوة على الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي أجبرت البعض على تأجيل اتخاذ هكذا قرار لأجل غير مسمى.

خطوة مؤجلة

تعتبر ليلى، 20 سنة، وهي طالبة جامعية،  أن التأخر في سن الزواج لدى الشباب المغربي "مسألة اختيارية وليست إجبارية في وقتنا الحاضر خاصة لدى العنصر النسوي، حيث تغيرت مجريات الأمور ولم يعد الارتباط بالنسبة لغالبية البنات أولوية في حياتهن عكس ما كنا يعتقدنه في السابق، خاصة بالنظر لمتابعتهن لتعليمهن وطموحهن اللامحدود في القيام بدراسات عليا والحصول على عمل قار، يمكنهن من تحقيق الاستقلالية التي ينشدنها. 

وتضيف ليلى قائلة "الفتاة العصرية تعتبر أن الدراسة والوظيفة يغنيانها في أوقات عدة عن التبعية للرجل، خاصة في حال حدوث زواج، وحصول مشاكل أسرية أو حدوث عدم توافق لاحقا قد يؤدي للانفصال ، لا قدر الله، فهي تستطيع إتمام حياتها بشكل طبيعي دون تعقيدات، ودون أن تكون عالة على والديها ومجتمعها، خاصة في حال وجود الأطفال".

تخوف مشروع

التأخر في سن الزواج يترجم توجس البعض من خوض هذه التجربة الغير محسوبة العواقب، وذلك في ظل الشروط التي يضعها الرجال أثناء إقدامهم على الخطوة، كما تشرح آمال، وهي ربة بيت:"هناك فتيات يتخوفن من الإسراع في اتخاذ قرار مماثل، ويفضلن أخذ وقتهن الكافي لكي لا يقعن ضحية زواج المصالح، حيث يشترط بعض الرجال أن يكن عاملات أو موظفات، بدعوى مشاركتهن لهم في المصاريف التي ترهق كاهلهم".

وتضيف امال قائلة  بامتعاض شديد" إذا كنت سأتزوج شخصا ما لكي أتقاسم معه راتبي وأعينه على النفقة التي من المفروض عليه أن يتحملها كراع لأهلي، فحري بي أن أظل بمفردي وأعيل أسرتي، لكونها الأجدر بالمساعدة، عوض تحمل عبء شخص إضافي لا يقر بمسؤولياته الزوجية ويبحث عمن يعينه عليها".

بطالة وغلاء المعيشة

ويظل الجانب المادي من أبرز المعيقات التي تقف حاجزا أمام إقدام الشباب على الزواج، بالنظر لغلاء المعيشة والارتفاع الملحوظ في أعداد من يعانون من البطالة، سواء تعلق الأمر بأناس متعلمين حاملين لشهادات عليا أو ذوي تعليم محدود.

ويقول احمد، 40 سنة، وهو موظف ، ان السبب الرئيسي في العزوف المؤقت عن الزواج بالمغرب " يعود إلى التغيرات التي يشهدها المجتمع، خاصة في الشق المتعلق بالوضعية الاجتماعية والاقتصادية، والتي تنعكس فصولها سلبا على شبابنا وقراراته، فالحصول على الوظيفة أضحى أمرا صعبا، علاوة على ما يتبع الزواج من مصاريف مكلفة ومرهقة للرجل، وتهم تكاليف الزفاف كخطوة أولية، قد تغرقه في ديون ومشاكل هو في غنى عنها، خاصة عند بداية حياته الزوجية".

و يرى المتحدث ذاته أن مشاركة الزوجة لزوجها في مصاريف الحياة ومتطلباتها أمر مستساغ ولا يجب أن ينظر له بحساسية زائدة من لدن الفتيات اللواتي يرفضن هذا الأمر لأسباب واهية.

ويضيف قائلا " الزواج مشاركة في كل شيء، والمرأة التي لا تحبذ هذا الأمر لا يعول عليها لاحقا لبناء عش الزوجية رفقة شريكها، خاصة إذا ما طرأ حادث ما يستوجب وقوفها إلى جانبه ومساندته".

إحصائيات وأرقام

وترى المندوبية السامية للتخطيط (بمثابة وزارة)أن المغاربة أصبحوا يقبلون على الزواج في سن متأخرة، وذلك في تقرير سابق لها تحت عنوان "اتجاهات تطوّر الزواج والطلاق عند المرأة المغربيّة"، حيث أوضح التقرير أنه خلال نصف القرن الماضي، وتحديدا ما بين سنة 1960 وسنة 2010، ارتفع متوسّط سنّ الزواج الأول لدى المغاربة، بشكل كبير، حيث بلغ معدّل الزواج عند المغربيات 26.6 سنة، خلال سنة 2010، وهو ما يمثّل تأخرا في حدود 9.3 سنوات، مقارنة مع سنة 1960، حيث كان المعدل 17.3 سنوات.

وأوضح المصدر ذاته أنّ انخفاض معدّل الزواج، طال أيضا الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهنّ ما بين 15 و 19 سنة، استنادا إلى الاحصائيات المتعقلة بسنة 2010 دائما؛ فإذا كان الزواج المبكّر يشمل 20 بالمائة من هذه الفئة العمرية خلال سنة 1980، فإنّ هذا المعدّل انخفض في سنة 2010 إلى حدود 9 بالمائة فقط، وهو ما يمثّل 150 الف فتاة، من بينهنّ 120 ألفا تزوّجن في الفترة العمرية ما بين 18 و 19 سنة؛ أمّا القاصرات اللواتي تزوّجن، خلال السنة نفسها، دون بلوغ سنّ الرشد القانونية المحدّدة في 18 سنة، فقد بلغ عددهنّ ما يزيد على 30 الف فتاة قاصر.

الزواج مرادف التوتر

ويرى الهادي الهروي، أستاذ باحث في علم الاجتماع ، أن العوامل الداخلية هي العوامل الذاتية المرتبطة بالشخص  في سن الزواج ذكرا كان أو أنثى، وتمثله للزواج وحكمه عليه وتبريره لتأخره أو عزوفه عنه. فغالبا ما يعتبر بعض الشباب والشابات أن الزواج لم يعد يحقق الهدف الأسري من راحة وطمأنينة وسعادة  بقدر ما أصبح يحقق القلق والتوتر والاضطراب النفسي بفعل عوامل خارجة عن نطاق الزوجين. كما أن الأسرة لم تعد تؤدي نفس الوظائف التي كانت تؤديها في الماضي، كالوظيفة الاقتصادية والوظيفة التربوية والوظيفة الترويحية ووظيفة الحماية والمكانة العائلية.

ويقول الهروي "بالنسبة للذكور فإن إيجاد العمل القار يعد الشرط الأساسي للبحث عن القرين(الزوجة) التي يستحب أن تتوفر فيها قيم العفة والجمال والمودة والوظيفة أو المهنة، فتنكح المرأة لمالها ولجمالها ولنسبها. وهناك أيضا عامل البكارة، فكثير من الشباب خصوصا في القرى ، يبرر عزوفه على الزواج بتبرج الفتيات ومعاشرتهن للشباب ، وتأخرهن ليلا خارج البيت ، وعدم التزامهن بالقيم والمعايير الاجتماعية. ويعد ارتفاع تكاليف المهر وإعداد حفل الزواج عائقا في تحقيقه".

الزواج "الماركتيني"

لم تعد نظرية التجاذب أو التجانس بين الشريكين من حيث الخصائص الاجتماعية - الثقافية  هي المطلب في الزواج بقدر ما أصبح المال هو العامل الحاسم في ميل الإناث للذكور والعكس، وهو ما يؤكده الهروي  بالقول" كما فترت النظرية الرومانتيكية المبنية على الحب والمعاشرة وطغى عليها المنطق البراغماتي وقاعدة الاستهلاك المتبادل المبني على مبدأ رابح - رابح، وهنا أصبحنا أمام "الزواج الماركتيني"، مما يؤدي إلى انتظارات وتأجيل الزواج.  وفي ظل فقدان شروط توفير الحماية والأمن بكل أبعاده، يشعر الشاب أنه غير قادر على تحقيق جميع حاجيات المعاشرة المقبلة، الشيء الذي يرغمه على التأجيل".

و يمكن حصر العوامل الموضوعية أو الخارجية فيما يلي: مبدأ الوفرة، ويعني أن عدد النساء أكثر من عدد الرجال، فحسب إحصائيات المندوبية المغربية للتخطيط فإن عدد النساء بلغ 2،19 مليون مقابل 8،15مليون من الرجال في سنة 2014.

ويستطرد الهروي موضحا" أن تفاحش مظاهر العنف والطلاق في المجتمع، والصور النمطية المقيتة  لهما، يحدثان شرخا في تمثلات الشباب للزواج  ويؤثران نفسيا عليهم ويحدثان فوبيا باتولوجية منه، إضافة إلى عوامل التغير في الأنماط الاجتماعية/المجتمعية، بحيث شهد المغرب تحولات اجتماعية واقتصادية وديموغرافية ومجالية، كالتحضر والتمدين والتصنيع وارتفاع تكاليف السكن وارتفاع نسبة الكماليات والاستهلاك في المدن والقرى، وتبدل القيم، واضمحلال زواج القرابة ، وتفكك العائلة الممتدة، وطول مدة التعليم خصوصا بالتعليم العالي، وظهور قيم جديدة ، ومطالب أسرية ، ونفقات اعداد الزواج المكلفة...كلها عوامل تساهم في تأخر الزواج".

فالمجتمع الذي لا يوفر الأمن من سكن وعمل وصحة وتعليم وتكوين أسرة مستقرة وتحقيق الرغبات والحاجات البيولوجية والجنسية لشبابه لا يمكن أن يساهم إلا في ارتفاع نسبة العزوبية والعنوسة. فحسب المندوبية المغربية للتخطيط انتقل معدل العزوبية في صفوف الرجال عند سن 50 سنة إلى 8،5 %سنة 2010، بينما لم يكن يتعدى خلال سنة 1994نسبة 9،2 %. أما في صفوف النساء فقد انتقل معدل العنوسة من 9،0% في السنة ذاتها  ليصل إلى 7،6% سنة 2010.

ويقول الهروي ان من نتائج تأجيل الزواج أو العزوف عليه ارتفاع نسبة العنوسة، إذ هناك 1,5مليون مغربية عانس، بسبب البطالة وارتفاع تكاليف حفلات الزفاف واستغلال الأسر الفقيرة لأبنائها وبناتها العاملين. كما لها تأثير على انخفاض معدل الخصوبة وفق المؤشر التركيبي لخصوبة النساء حسب وسط الإقامة، والذي تمثل في 2,6% سنة 1994 لينتقل إلى %2,1 سنة 2004 ف %2,0 سنة 2014 في المجال الحضري، فيما انتقل من %3,1 سنة 2004 إلى %2,6 في سنة 2014 بعدما بلغت في وقت سابق 4,3% سنة 1994 بالعالم القروي. 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في أخبار