أكاذيبُ وعنتريات فارغة، ونرجسيّات مريضة بهوَس السلطة، وتفاهات شخصية لا معنى لها في قواميس السياسة والحياة، وتُرَّهاتٌ سياسية مغلَّفة بأكاذيبَ مريضة بالـ(أنا)، وتضليل الواقع المشحون بالعواطف المُصابة بفقر دم الحياة والتطور، وادّعاءات وطنية فارغة لا لون لها ولا طعم ولا رائحة، وتقمُّصُ أدوارٍ جهادية خادعة، وهذيانات شخصية منغمسة في حرام المال والقتل، ودردشة خاوية من منطق المعرفة والتاريخ وحروف الضاد.
هؤلاء الذين أقصدهم، هم الوجوه الكالحة التي احتلّت المشهد بعد الغزو الأمريكي، وسيطرت على مُقدَّرات البلاد والعباد، وأنتجت لنا الدمار والخراب، والأمية والفقر، ورماد الفواجع والأحزان سمادًا للحياة العراقية.
هؤلاء هم قادة العملية السياسية الذين تُصِر وسائل الإعلام العراقية على تكرارهم المُمّل طوال أيام السنة، وبالذات في شهر رمضان لساعات طويلة؛ بدواعي التوعية أو ملء الفراغ أو كسب الأموال للتمويل، أو لصفقات سرية هنا وهناك.
فأحاديثهم عقيمة؛ لا تخدم الشعب، ولا ترفع معنوياتهم؛ بل تزيدهم إحباطاً ويأسا وقنوطاً، وترفع لهم الضغط والسكر، وتغلق عليهم أبواب الأمل، وتشوِّش لهم رؤية المستقبل، خاصة بعد أن جرّبوهم لسنواتٍ طويلة خلت، دون أن يشعروا بأنهم من أبناء جلدتهم، أو أنهم رجال دولة، وصنّاع حياة؛ قادة لا يستطيعون قيادة (ستوتة) صغيرة في بلد (الستوتات)!
نسمع مُنصتين يوميًّا لمضامين من الكلام "الخابط" غير الصالح للاستهلاك المحلي، وخُزعبلات تافهة لا تليق بطهارة العراق وعنفوانه، وعجائبه الحضارية في بركان العراق السياسي المليء بالأزمات المتوالية، وصراعات المال والسلطة والوجاهة.
نراهم بوجوههم الكالحة يتجوَّلون في شوارعنا وحارتنا ومؤسساتنا طوال النهار؛ يُفتشون عن خزائن المال المتبقيّة، وما تبقَّى من رزق الفقراء، وقوت اليتامى والمساكين والمهجَّرين، ويضلوننا بالخِرق الخضراء والبيضاء؛ ليزرعوا بيننا أوهام الغيبيات والطوائف كي نتقاتل؛ ولكي يسيروا بعدها وراء جنائزنا، ويحضرون مآتمنا ليقدموا تعازيَهم ومواساتهم؛ ثم يضحكون على المأساة!
ليلا، حتى طلوع فجر رمضان، نرى قادة "الضرورة" على شاشات التلفزة، يتسابقون على شرف الجهادية والوطنية بترَّهات غبيّة، ومواعظ في حب الوطن والشعب. كلهم يبكي على الشعب "المسكين والمقهور والمظلوم"؛ وكأن هذا الشعب الموجود على الأرض العراقية جلبه (غاغارين) من الفضاء، ولم يكن موجودًا في عصرهم المطعَّم بتوابل الأجنبي، وبجمهورية الفساد والمخدرات!
يقولون بالفم المليان "نحب شعبنا" و"جئنا من أجلهم لرفع المظلومية عنهم“، ومع ذلك، وخلال العشرين عامًا من عشقهم للشعب؛ اكتشف العراقي بأن القول شامخٌ والفعل ركام و"ما بين القول والفعل يتوسَّط البحر" كما يقول المثل الإيطالي؛ حيث ثُقلت بيوت العراقيين بالأشجان، وامتلأت صدورهم باللوعة والأحزان، وتعطَّلت الحياة بمافيات الفساد والمخدرات، وازداد الفقر بأرقامٍ قياسية، وتزاحم الشباب على امتلاك بسطات السكاير، والتوطين في مقاهي الشيشة ومخدر الكريستال.
لقد حوَّلوا الشعب إلى متسوّل للشكوى والنحيب بسبب فقدان الحقوق؛ وجعلوه في آخر الأوطان تخلُّفًا في التنمية والرفاهية والتعليم والمواطنة، وقتلوا فيه روح الإرادة والتحدي، واستنفذوا طاقته الإيجابية بهلوسات الماضي، وزرعوا فيه أشواك الطقوس المريضة، وزخرفوا حاراته بالقمامات والمياه الآسنة الملوثة!، وأقاموا دولة مريضة تكره التنمية والتحديث، وراعية للغيبيات والفساد والفاسدين!
قالوا أيضاً في التلفزة، وليس في الواقع، بأنهم: "رجال وطنية" يرفعون شعار السيادة والاستقلالية، لكن الوطن يسكنه الأغراب من كل جغرافية العالم، ويتجول في حاراته خبراء التنصُّت، ولصوص المعلومات، والجيوش المختلفة التي تحمي هذا الطرف وذاك. وطن "خان جغان" للسارق لذي ينهب الثروات، ولدول القواعد العسكرية، والمنظمات الإرهابية. ربما لأن هؤلاء القادة يحملون "فتيلة الأجنبي" كما يقول مظفر النواب!
كثيرة هي الأقوال المُضللة والكاذبة التي سمعناها من قادة "الضرورة" عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومساهماتهم الإيجابية في تطوير العملية السياسية، ودورهم في إنقاذ العراق من الحروب الطائفية، ومحاربتهم للفساد؛ لكنهم، مع الأسف، لم يحدثونا عن أحزان العشرين السنة الماضية، ومستنقع الفواجع والنكبات والأهوال، وأعداد مَن ماتوا بسبب الجوع والدواء، ومَن قُتلوا غدراً، ومَن قطعت أرزاقهم ظلمًا، ومَن سجنوا بوشاية المخبر السري تضليلاً، ومن فُقدوا فلذات كبدهم قسراً، ومن هُجِّروا من أوطانهم وبيوتهم إجبارًا.
اغرب الترهات، وأكثرها تندراً وفكاهة، ما قاله البعض بأن: "الأحزاب الإسلامية نجحت في إدارة العراق" ولا ندري شكل هذا النجاح وألوانه وأماكنه وهويته!؛ فنحن نعرف بالوقائع الميدانية أن الخراب توزَّع على جميع المدن، فقرًا ومظلومية، حيث قطعت عنهم كهرباء الحياة، وانتشرت المزابل والنفايات بين الأحياء، وهُدِّمت قيم المجتمع بالمخدرات وفتاوي الزواج المزدوج، وتلوَّثت المؤسسات التعليمة بالعلم المهدرج، وصار الفساد موّالاً حزينًا ينهش بمخالبه السامة المؤسسات والأحزاب والضمائر. فعن أي ترهات سياسية يتحدثون؟! وقد صار العراق خرابة يبكي عليه الزمان!
نُذكركم بالحقيقة المرّة، بعد سماع أحاديثكم وترَّهاتكم السياسية، وقصص المنجزات الوهمية؛ أنكم مازلتم تسكنون قصور النظام السابق، وتجتمعون في قاعاته، وتعبُرون جسورَه، وتحتمون بقوانينه، وتستعيرون ألقابه، وتأخذون من خيرات مصانعه ومعامله، وتنعمون بفنادقه ومنتزهاته ومنتجعاته، وتدرسون في مدارسه وجامعاته؛ وكل هذا دون خجل.
وعندما تصنع الجديد يا مولاي، وتتفوق على ما صنعه قبلك، وقتها يحق لك أن تقول وتتباهى وتتكبر. فالعيب أن تفتخر بشيء لم تصنعه أو تتمتع به الآن، فأفتخر بمنجزاتك الحقيقية فأنت من يصنعها. وقد قيل: إذا لم تستحوا فافعلوا ما شئتم، وإذا لم تستحوا فقولوا ما شئتم!