مالفرق بين الخبز والتنك؟ مالفرق بين النهد والمطرقة؟ مالفرق بين أن يموت إنسان في زريبة أو يموت وهو على رأس قبيلة! هذا ماقد قاله محمد الماغوط في العقد السابع من الالفية المنصرمة، وهي أسئلة وإن تبدو في ظاهرها مفعمة بالسخرية ولکنها تحمل معاني وإيماءات عميقة جدا، فهي تدك وبعنف جدران الفوارق الطبقية والقضايا النفسية والاجتماعية بحثا عن الماهية الانسانية وعن معنى الوجود الانساني.
الانسان بطبعه وفي الخط والمسار العام، يميل دائما نحو الافضل ويهمه کثيرا أن يوحي للوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه بأنه إنسان متکامل وإيجابي، ولکن هذا الانسان مهما کان ومهما حاول وبذل من جهود فإنه وعندما يواجه نفسه بعيدا عن المظاهر الاجتماعية، فإنه يعلم بأن الکمال الانساني غاية لاتدرك کما إن الافضل الذي هو هدفه الاهم، فإنه يقضي نحبه وهو لايزال يستميت من أجل أن يناله!
عندما نفکر وبعمق في بلوغ الانسان الکمال وفي أن يحقق ما هو الافضل بالنسبة له، وعندما نستعرض النماذج التأريخية القديمة والمعاصرة من الشخصيات الانسانية في مختلف مجالات الحياة ومع إن العديد منها فرضت نفسها کظاهرات في الفترات التأريخية التي عاشتها، فإن هناك دائما ثمة ثغرات هناك حرص على تخطيها وتجاوزها من خلال تهويل جوانب أخرى، والانسان لکي يظهر بذك المظهر الذي يميزه عن عامة الناس، فلا بد له من صفات وسمات لا يمتلکها غيره من فکر وشجاعة وکاريزما تجنح أحيانا نحو الخيال.
ترامب، دونالد ترامب، ذلك الرجل الذي لم يظهر على حين غرة، وأخالف کثيرا ممن يصرون على ذلك، إذ أن أمريکا بلد المفاجئات وموطن کل ما هو غريب وغير مألوف، أمريکا الوجهة التي تجبر معظم شعوب العالم الى إدارة الانظار وتوجيهها صوبها، وبرأيي، فإن ترامب کظاهرة أمريکية لا تختلف أبدا عن ظاهرات أمريکية سابقة نظير مارتن لوثر کينغ وألفيس برسلي أو مارلين مونرو أو عن مطاعم ماکدونالدز وکنتاکي وعن أبولو11، وهلم جرا، إنها أمريکا التي غزت العالم حبا أو کرها وصارت معلما من معالم الحضارة الانسانية.
العذال والشامتون بترامب وهو يمثل أمام محکمة مانهاتن، أکثر بکثير من المٶيدين والمتضامنين معه، خصوصا في الاعلام العربي الذي يکاد أن يطغي عليه سيل العذال والشامتين، متصورين بأن نجم ترامب قد أفل وإنه سينتهي کما إنتهى نيکسون من قبله على أثر فضيحة "ووتر غيت"، لکنهم الا يعلمون بأن ترامب غير نيکسون إذ أن الاخير کان بمثابة إمتداد لسياق تقليدي وروتيني من الرئاسات الامريکية المتعاقبة، بيد إن ترامب ليس کذلك أبدا بل إنه بمثابة ظاهرة وسياق جديد في الادارة السياسية ـ الاقتصادية الامريکية وقد سبق لي وأن أکدت أثناء الانتخابات الرئاسية الامريکية السابقة في مقال لي في إيلاف تحت عنوان"ترمب حتى لو ذهب فهو باق!" بأن تأثير ترامب سيبقى حتى لو لم يفز في الانتخابات أمام بايدن، وکما ترون فإن الامر کذلك!
هناك سياق محموم في أمريکا من أجل تحجيم ترامب والنيل منه في سبيل الحيلولة دون صعوده لسدة الرئاسة الامريکية مرة أخرى وحتى إن النماذج التي تم إختيارها بعناية في سبيل الاجهاز على ترامب وإزاحته عن الطريق، تٶکد بأن هناك في واشنطن عددا کبيرا من الذين يعملون جاهدين من الذين يکرهونه الى أبعد حد وفي مقدمتهم الخرف بايدن الذي أوصل أمريکا الى حالة يرثى لها وجعل من أنظمة إستبدادية نظير الصين وروسيا إيران تتغول على العالم!
بإعتقادي، ترامب سيعود، يعود لأنه ليس ظاهرة فقط بل لأنه قد أسس لمسار وخط سياسي ـ إقتصادي أمريکي وسيتمخض عنه مسار فکري حتما عما قريب فهذا الرجل وکما حقق رخاءا إقتصاديا للشعب الامريکي في عهده وتمکن عالميا من تحجيم وتحديد الصين وأبقى روسيا بوتين في حالة المراوحة في نفس مکانها وجعل نظام الملالي في حالة يرثى لها، فإن الحاجة أکثر من ماسة له، وهو سيعود، يقينا سيعود وسترون ذلك عندما أذکرکم بذلك هنا في إيلاف!