في ظل عزلة دولية متفاقمة وضغوط داخلية متصاعدة، يكشف النظام الإيراني عن ضعفه المتزايد من خلال توسلات يائسة وغير مجدية للقوى الأوروبية. المناورات الدبلوماسية الأخيرة، التي بدت وكأنها تهدف إلى فتح حوار، لم تفعل سوى إبراز الوضع الهش للنظام وتصلب موقف المجتمع الدولي ضد سياساته المزعزعة للاستقرار. صرخات النظام للتفاعل، خاصة لتجنب إعادة فرض العقوبات الدولية القاسية، تقابل بآذان صماء، ما يزيد من عزلة الدكتاتورية الدينية.
نداء علني من موقع الضعف
في إشارة واضحة إلى هذا اليأس، استغل وزير الخارجية الإيراني آنذاك، عباس عراقجي، منصة "منتدى حوار طهران" يوم 18 أيار (مايو) 2025 ليوجه نداءً علنياً لاستئناف العلاقات مع الدول الأوروبية. قال عراقجي: "إيران مستعدة لبدء فصل جديد في علاقاتها مع أوروبا إذا رأينا إرادة حقيقية ونهجاً مستقلاً من الأطراف الأوروبية". وأضاف: "إذا كانت أوروبا تملك الإرادة اللازمة لتصحيح هذا المسار، فلن تجد إيران عائقاً أمام إعادة بناء الثقة وتوسيع العلاقات". لكن هذا النداء لـ"فصل جديد" جاء في سياق عرض مفلس قدمه نظام يعاني من الضعف والعزلة الإقليمية والدولية.
محاولات مرفوضة وصمت أوروبي
لم تكن تصريحات عراقجي حدثاً منعزلاً، بل كانت ذروة جهود محمومة ومتكررة للتواصل مع العواصم الأوروبية. فقد طلب عراقجي، خلال الأسابيع القليلة الماضية، السفر إلى برلين وباريس ولندن مرات عديدة، بهدف واضح: مناشدة أوروبا للامتناع عن تفعيل آلية "الsnapback" لإعادة العقوبات الدولية. لكن هذه الطلبات قوبلت بالصمت، إذ رفضت الدول الأوروبية الانجرار وراء توسلات النظام في اللحظة الأخيرة.
إهانة إسطنبول: لقاء منخفض المستوى يكشف الازدراء
على الرغم من هذه الرفضات، واصل النظام توسلاته للحوار مع أوروبا. وأخيراً، عُقد اجتماع في القنصلية الإيرانية بإسطنبول يوم الجمعة، 16 أيار (مايو) 2025. لكن طبيعة هذا الاجتماع كشفت أكثر عن تراجع مكانة النظام. لم يشارك أي مسؤول أوروبي كبير، واكتفت ثلاث دول أوروبية بإرسال ممثلين للقاء نائب وزير الخارجية كاظم غريب آبادي ومجيد تخت روانجي، نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية. هذا الحضور الأوروبي المنخفض المستوى في اجتماع سعى النظام إليه بشدة يعكس بوضوح شكوك أوروبا ورفضها منح النظام الشرعية الدبلوماسية التي يتوق إليها.
أوروبا متمسكة بالعقوبات
لم تكتفِ القوى الأوروبية برد الطلبات الإيرانية، بل أوضحت موقفها بشكل لا لبس فيه بشأن إعادة فرض العقوبات الدولية. أعلنت أنها لن تتردد لحظة في تفعيل آلية "snapback" إذا لم يتوصل النظام إلى اتفاق في محادثاته مع الولايات المتحدة. هذا الموقف يظهر وحدة الجبهة الأوروبية وفهماً واضحاً لتكتيكات النظام، تاركاً طهران في مأزق. حتى وسائل الإعلام المرتبطة بالنظام، مثل صحيفة "فرهيختجان"، اعترفت بالطبيعة المتوترة لاجتماع إسطنبول، مشيرة إلى أن الدول الأوروبية الثلاث "تبنت مواقف صلبة ووضعت تهديدات جدية على الطاولة".
نظام محاصر يكشف نفسه
مجمل هذه الأحداث يرسم صورة واضحة: لم يحقق نظام خامنئي شيئاً من توسلاته لوقف آلية "snapback" من أوروبا. بل إن توسلات عراقجي والاجتماع المتوتر مع الدول الأوروبية الثلاث كشفا عن إذلال الدكتاتورية الدينية. هذا الوضع هو نتيجة ضعف نوعي شامل للنظام في ميزان القوى الحالي، ويظهر أنه محاصر. المغامرات الدبلوماسية اليائسة للنظام فشلت، ولم تفعل سوى إبراز ضعفه العميق وعزلته على الساحة الدولية، وهي حقيقة يواصل الشعب الإيراني ومقاومته المنظمة كشفها.
تدخلات إيران في سوريا: وجه آخر للضعف
لا يقتصر ضعف النظام الإيراني على الساحة الدولية، بل يتجلى أيضاً في تدخلاته في سوريا، حيث دعم النظام ميليشيات طائفية لسنوات، مما أسهم في إطالة أمد الصراع وتعميق معاناة الشعب السوري. هذه التدخلات، التي قادها الحرس الثوري وفيلق القدس، لم تحقق الاستقرار الذي زعمته طهران، بل كشفت عن طموحات توسعية أنهكت موارد النظام وأضعفت قبضته داخلياً وخارجياً. هذا الفشل في سوريا يعكس بوضوح حدود قدرات النظام، الذي يجد نفسه محاصراً بين الضغوط الداخلية والرفض الدولي.